الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

يستطيع الزواج ويؤخره عدة سنوات للزواج بفتاة يحبها

السؤال

أنا شاب من سوريا، عمري 21 عاما، وضعي المادي متوسط، ولدي عمل ودخل جيد.
قادر على الزواج والحمد لله، ولا عذر لي، إلا أنني أحب فتاة بشدة، ولا أريد الزواج بغيرها.
أنا لا أكلم هذه الفتاة، ولم أفعل أي شيء محرم والحمد لله.
المشكلة هي أن الفتاة صغيرة، ويجب علي الانتظار خمس سنوات على الأقل، لأستطيع الزواج منها. وقد قررت الانتظار.
المشكلة هي في الشهوة الجنسية، فتشتد أحيانا، وأفعل شيئا محرما مثل التفكير الجنسي أو الاستمناء، ولكن سرعان ما أتوب لله، وأرتدع ثم أعود لأقع بهذا الأمر بعد شهور.
سؤالي لكم: ماذا علي أن أفعل؟ وهل وقعت بمخالفة أوامر رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأنني أستطيع الزواج ولم أفعل؟
وما نصيحتكم لي، علما أن فكرة الزواج من غير الفتاة التي أحبها مستحيلة عندي، وأقبل بأي حل غيرها؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فالزواج من أمور الخير التي لا يحسن تأخيرها، بل ينبغي المبادرة إليه ما أمكن؛ ففيه كثير من مصالح الدنيا والآخرة.

قال النفراوي -المالكي- في الفواكه الدواني: له فوائد، أعظمها: دفع غوائل الشهوة، ويليها أنه سبب لحياتين: فانية، وهي: تكثير النسل، وباقية، هي: الحرص على الدار الآخرة؛ لأنه ينبه على لذة الآخرة، لأنه إذا ذاق لذته، يسرع إلى فعل الخير الموصل إلى اللذة الأخروية، التي هي أعظم، ولا سيما النظر إلى وجهه الكريم.

ويليها تنفيذ ما أراده الله تعالى وأحبه، من بقاء النوع الإنساني إلى يوم القيامة، وامتثال أمر رسوله صلى الله عليه وسلم بقوله: "تناكحوا تناسلوا" الحديث، ويليها بقاء الذكر، ورفع الدرجات بسبب دعاء الولد الصالح بعد انقطاع عمل أبيه بموته. اهـ.

وهو مندوب إليه -كما ذكر العلماء- ولكنه يجب في حق من يخاف على نفسه الوقوع في الزنا.

قال الخرشي -المالكي- في شرحه على مختصر خليل: الْمَدَارُ عَلَى خَشْيَةِ الزِّنَا، فَمَتَى خَشِيَ الزِّنَا وَجَبَ عَلَيْهِ التَّزْوِيجُ, وَلَوْ عَجَزَ عَن النَّفَقَة. اهـ.

وجاء في زاد المستقنع للحجاوي -الحنبلي- قوله: وهو سنة، وفعله "مع الشهوة" أفضل من نفل العبادة. ويجب على من يخاف الزنا بتركه. اهـ.

وتبين من هذا أن الزواج لا يجب في حقك إن كنت تأمن على نفسك الوقوع في الزنا، ولكن عليك الاجتهاد في مدافعة التفكير في الجنس، وتب إلى الله عز وجل من الاستمناء، فإنه محرم وأضراره كثيرة، كما هو مبين في الفتوى: 7170.

وينبغي أن تجتهد في التعجل للزواج ما أمكن، بأن تبلغ هذه الفتاة السن التي تكون فيها مطيقة للزواج، فقد تبلغ الفتاة مبلغ النساء كأن تكون في سن الخامسة عشرة، ويدعي الناس أنها صغيرة.

وإن كنت قادرا على الزواج ولم تفعل، فالمخالفة لرسول الله صلى الله عليه وسلم حاصلة؛ لأنه حث على الزواج؛ كما في الحديث المتفق عليه عن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- قال: قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا معشر الشباب؛ من استطاع منكم الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر، وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم، فإنه له وجاء.

وكونك لا تستطيع الزواج من غير هذه الفتاة مجرد توهم، والعشق يمكن علاجه، وله وسائله، وقد بيناها في الفتوى: 9360.

وما أدراك أنك إذا تزوجت من هذه الفتاة أن يكون في زواجك منها خير، وأنك ستكون سعيدا معها، فإن لم يكن من سبيل للزواج منها الآن، فدعها وابحث عن غيرها، وسل الله العون وفوض أمرك إليه. فإذا أحسنت الاختيار واستخرت ربك؛ ستوفق بإذن الله سبحانه. وراجع الفتاوى: 8757، 19333، 123457.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني