الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

هل يحقّ للزوج منع زوجته من إدخال أقاربها إلى بيته؟

السؤال

أنا متزوج من فتاة منذ 4 سنوات، لها أخ أكبر منها بسنتين، علاقتها به قوية قبل زواجنا، وبعد زواجنا.
لا أنكر أنه رجل بما تعنيه الكلمة: طيب وحنون ومتدين، وفتح لها أبواب الرزق، ويعمل في عدة شركات.
لكن زوجتي تتصل به كثيرا، أقول لك كل يوم صباح مساء، وتسأل عنه. وإذا لم يرد عليها تحزن، وتتوقع أنه أصابه شيء، ويرسل لها كل شهر قيمة 2000 دولار، ويرسل أيضا لكل أخواتها، وينفق على دراستهن.
وأيضا منذ تزوجنا لم تطلب مني ولا طلبا واحدا، وكل ما تحتاج إليه تتصل به، ويرسل لها بعد ساعات، أو يوم، أحيانا يتأخر، وكأني لست موجودا.
نبهتها مرات ومرات، لكن لا فائدة، وتقول طيب، ولا تفعل. ومرة تخاصمنا؛ فغضبت، وقالت لي: لقد عاهدت أخي أني كلما احتجت لشيء أطلبه منه فقط، وأنت لا أريد منك شيئا، حتى النفقة إذا أردت أن تقطعها اقطعها، لا يهمني.
لا أنكر أنها متدينة، وتقوم الليل، وتصوم الاثنين والخميس، ولا أمنعها. وحسنة السمعة في الجامعة وفي الحي، وكذلك أهلي يحبونها، وبالذات أمي تحب مجالستها. وكذلك البيت دائما في نظافة، واستأجرت شغالة، وأخوها هو من يدفع راتبها.
مرة قالت لي: هذا أخي وأعز ما أملك، مع العلم أن أباها ميت، وأخوها متزوج.
أقول لها: أخوك متزوج لا تشغليه عن أهله، تقول لي: وهل أفعل شيئا حراما، أنا أتصل بأخي وقت فراغه، ووقت فراغي.
وكذلك دائما تستدعيه في البيت وتطبخ له وتجلس تتحدث معه هذا شيء جعلني أنفجر من الغضب والغيرة
وكذلك أخوها ينفق على دراستها، وما تحتاج إليه.
وقد طلقتها مرة ولم تتغير أبدا، بالعكس قالت لي: أبدلني الله خيرا منك؛ فراجعتها بعد أيام خوفا من أن تزداد المشاكل.
لا أنكر أنني أحبها، وأعلم أنها تحبني، لكن لا تحب أن تريني ضعفها، وأنها تحتاج لي. أتمنى أن أسعد معها، لكن أخاها مصيبة في حياتنا.
وقبل أشهر أرسلت لأخيها رسالة طويلة أقول له أن ينصح أخته بأن تهتم بي وتحبني، وتقدرني وتسألني ما تحتاج له، وأن لي قوامة عليها، وقد طلقتها تهديدا فقط. لكنه رد علي بعد يومين، وقال لي بالحرف الواحد: (أختي أمانة بين يديك، وإياك أن تزعجها أو تغضبها، فالعاقل لا يفتح على نفسه بابا يصعب عليه إغلاقه بعدها).
تعجبت من رده ومن جرأته، وأرسلت له عدة رسائل، ولم يرد علي. ولما تقابلنا ابتسم في وجي، وسلم علي، وكأن شيئا لم يحدث.
فهل من حقي أن أقطع علاقتها بأخيها؟ وهل من حقي منعه من دخول بيتي؟ وهل من حقي أن أوقفها عن الدراسة؟ وأمنعها من كل شيء يقدمه لها من أموال وهدايا، حتى تعرف أنها محتاجة لي فقط؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فحقّ الزوج على زوجته عظيم، وإذا تعارض حقّه مع حقّ أهلها؛ فحقّه مقدم على حقّهم، ففي مستدرك الحاكم عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: قلت: يا رسول الله؛ أي الناس أعظم حقا على المرأة؟ قال: «زوجها» قلت: فأي الناس أعظم حقا على الرجل؟ قال: «أمه».

وقال ابن تيمية -رحمه الله- : الْمَرْأَةُ إذَا تَزَوَّجَتْ، كَانَ زَوْجُهَا أَمْلَكَ بِهَا مِنْ أَبَوَيْهَا. وَطَاعَةُ زَوْجِهَا عَلَيْهَا أَوْجَبُ. انتهى من مجموع الفتاوى.
وقد ذكر بعض أهل العلم أنّ من حقّ الزوج منع زوجته من إدخال أقاربها إلى بيته؛ لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: وَلَكُمْ عَلَيْهِنَّ، أَنْ لاَ يُوطِئْنَ فُرُشَكُمْ أَحَدًا تَكْرَهُونَهُ. رواه مسلم.
قال النووي -رحمه الله- في شرح مسلم: والمختار أن معناه أن لا يأذن لأحد تكرهونه في دخول بيوتكم، والجلوس في منازلكم سواء كان المأذون له رجلا أجنبيا، أو امرأة، أو أحدا من محارم الزوجة. انتهى.
وذهب بعض أهل العلم إلى أنّه ليس للزوج منع أرحامها من الدخول عليها.

ففي الشرح الصغير للدردير -رحمه الله-: وَلَيْسَ لَهُ مَنْعُ أَبَوَيْهَا وَوَلَدِهَا مِنْ غَيْرِهِ أَنْ يَدْخُلُوا لَهَا، وَكَذَا الْأَجْدَادُ، وَوَلَدُ الْوَلَدِ وَالْإِخْوَةُ مِن النَّسَبِ. انتهى.
وفي منح الجليل شرح مختصر خليل: وَرَوَى ابْنُ أَشْرَسَ وَابْنُ نَافِعٍ إنْ وَقَعَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَخِ امْرَأَتِهِ كَلَامٌ، فَلَيْسَ لَهُ مَنْعُهُ مِنْهَا. اهـ.

والراجح عندنا أنّ الزوج لا يمنع زوجته من زيارة أهلها أو زيارتهم لها، إلا إذا خشي من إفساد أهلها لها عليه، فله أن يمنع ذلك بالقدر الذي تزول به المفسدة.

قال المرداوي في الإنصاف: الصواب في ذلك: إن عرف بقرائن الحال: أنه يحدث بزيارتهما أو أحدهما له ضرر، فله المنع، وإلا فلا. انتهى.
والذي يظهر لنا من سؤالك أنّ أخا زوجتك ليس مفسداً لها عليك؛ فليس لك أمرها بقطعه، لما في قطيعة الرحم من الإثم العظيم.
فبين لزوجتك ما عليها من الحقّ نحوك، وتعامل معها بحكمة، وما دامت صالحة، فتجاوز عن هفواتها ودارها، تعش بها.
والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني