الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

الاعتراض على من ترجّح عنده قول لأهل العلم في مسألةٍ ما

السؤال

أنا أعلم أن العامي له أن يفتي في المسائل الواضحة المتفق عليها بين المسلمين، وليس له أن يفتي في الأمور التي ليست واضحة، أو فيها خلاف، ولكن ماذا إن أفتى فيها بعلم، أي أنه بحث في مسألة ما تحديدًا، وعلم الأدلة كلها مما قاله الله تعالى والرسول صلى الله عليه وسلم، وعلم آراء العلماء فيها، وعلم مذهب الجمهور وأدلتهم، وعرف الأدلة الراجحة والأقوى منها، فهل هو في هذه المسألة تحديدًا مؤهل للفتوى؟ ولا أقصد بالفتوى أن يقول كلامًا جديدًا، ولكني أقصد بالفتوى أن يقول للسائل الأدلة، وآراء العلماء، والدليل الراجح، فهل هناك خطأ في ذلك؟ فأنا أرى من ينكر على من يقولون عكس فتاوى بعض الشيوخ؛ لأنهم ليس لديهم علم كعلمهم، ولكن ما علاقة العلم الكليّ بالعلم في مسألة تحديدًا؟ أليس للعامي الحق إن علم كل شيء في مسألة ما تحديدًا أن يعترض على ذلك الشيخ، إن كان لم يفتِ بالدليل الأرجح والأقوى؟ وأليس من حق العامِّيِّ إذا كان مقتنعًا بأدلة شيخ آخر يثق به، وكان هذا الشيخ على الدليل الأرجح في مسألة ما أن يعترض على مَن خالفه من شيوخ آخرين ويناقشهم؟ فكثير من الناس يستهزئون من هذا الفعل، ولا أعلم لماذا، والعلم في المسألة معنا نحن الاثنين، إذا كنا متساويين في العلم في مسألة ما تحديدًا، ويبقى العقل والتفكير، وهذا لدينا أيضًا نحن الاثنين، فلماذا لا نتناقش؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فمن علم بالأدلة كلها، وآراء العلماء فيها، ومذهب الجمهور وأدلتهم، وأدلة من خالفهم، وعرف الراجح والأقوى منها: فليس بعامِّيِّ في هذه المسألة، بل هو طالب علم مميَّز، يعمل بما ترجح عنده، ويفتي به غيره. فإن الراجح الذي عليه أكثر العلماء أن الاجتهاد يتجزأ، وراجع في ذلك الفتوى: 404431.

ومن ترجح عنده خلاف ذلك من أهل العلم، فلا يُعترض عليه، وإنما يناقش بالأدلة دون إنكار عليه؛ لأن الترجيح أمر نسبي، ولا يقتصر سببه على الجهل بالدليل، أو غياب وجه الاستدلال به، وإنما يكون كذلك لاختلاف الأفهام، وتباين طرق الترجيح؛ وبهذا يجاب عن سؤال: (أليس له حق حينئذ أن يعترض على هذا الشيخ، إن كان لم يفتِ بالدليل الأرجح)؟ فليس من حقه الاعتراض، وإنما من حقه السؤال والنقاش؛ لأن الترجيح - كما ذكرنا - أمر نسبي، فالأقوى عندي ليس كذلك عند غيري، والعكس بالعكس. وانظر للفائدة الفتوى: 349918.

وهنا لا بدّ من التفريق بين الخلاف السائغ المعتبر وبين الخلاف غير السائغ ولا المعتبر: فالأول إنما هو اختلاف في الفهم، ولا يصادم نصًّا، ولا إجماعًا سابقًا، بخلاف الثاني، فإنه لا يعتمد على الأدلة الشرعية، وإنما يعتمد في الغالب على الهوى، أو الرأي المجرد، أو على دليل بعيد المأخذ، وقد سبق لنا بيان نوعي الخلاف، وبيان أسباب اختلاف العلماء، وموقف المسلم من ذلك، وما وراء ذلك من الحكم، فراجع الفتاوى: 8675، 26350، 98454.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني