الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أحكام من ترك التدخين لوجه الله أو للضرر فقط أو للغرضين معا

السؤال

هناك ثلاثة مدخنين:
الأول: أقلع عن التدخين بنية أنه حرام فقط.
والثاني: أقلع عنه بنية أنه حرام، ومضر للجسم.
هل يستويان مثلا في الأجر؟
والثالث: أقلع عنه؛ لأنه مضر فقط.
هل يجد ثوابا؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فإنه لا يثاب على ترك المعصية إلا من تركها ابتغاء وجه الله، وخشية منه. وأما من ترك المعصية خشية ضررها الدنيوي فحسب، ولم يلتفت إلى إرادة وجه الله؛ فإنه لا يثاب على تركه للمعصية. مع أن ترك المعصية خير على كل حال، ولو دون نية.

قال ابن تيمية: وهذا الهام بالسيئة: فإما أن يتركها لخشية الله وخوفه، أو يتركها لغير ذلك.

فإن تركها لخشية الله، كتبها الله له عنده حسنة كاملة. كما قد صرح به في الحديث، وكما قد جاء في الحديث الآخر: اكتبوها له حسنة؛ فإنما تركها من أجلي، أو قال: من جرائي.

وأما إن تركها لغير ذلك، لم تكتب عليه سيئة، كما جاء في الحديث الآخر: فإن لم يعملها، لم تكتب عليه. وبهذا تتفق معاني الأحاديث. اهـ. مجموع الفتاوى.

وقال القرطبي: وقوله: (تكف شرك عن الناس؛ فإنها صدقة منك على نفسك). دليل على أن الكف فعل للإنسان، داخل تحت كسبه يؤجر عليه، ويعاقب على تركه؛ غير أن الثواب لا يحصل على الكف إلا مع النيات والقصود. وأما مع الغفلة والذهول، فلا. اهـ. المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم.

وقال ابن عثيمين: يجب أن تعلم أن ترك المعاصي خير على كل حال، لكن هل يكون الإنسان مدركاً لما يترتب عليه من الفضل؟

هذا لا يمكن إلا إذا نوى ذلك لله عز وجل، ولهذا جاء في الحديث القدسي: أن من هم بسيئة فلم يعملها، كتبت حسنة كاملة، قال في الحديث: (لأنه إنما تركها من جرائي) أي: من أجلي، فترك المعاصي خير على كل حال، لكن لا يثاب عليها إلا إذا تركها لله. اهـ. من لقاء الباب المفتوح.

وأما من ترك المعصية ابتغاء وجه الله مع مراعاة لغرض دنيوي -كحفظ الصحة- فإنه يثاب على الترك في هذه الصورة أيضا، لكن ثوابه ينقص عن ثواب من تمحضت نيته في ترك المعصية ابتغاء وجه الله.

فقد نص العلماء على أن مراعاة الغرض الدنيوي لا تتنافى مع الإخلاص لله من كل وجه، كمن ينوي مع الوضوء لله التبرد، أو ينوي مع الصيام لله تقوية بدنه، ومثله أن ينوي مع ترك المعصية لله الحفاظ على صحته ونحو ذلك، لم يكن ذلك قادحا في أصل الإخلاص، ولا مبطلا للأجر.

جاء في كشاف القناع: ولو نوى مع رفع (الحدث) إزالة (النجاسة أو التبرد، أو التنظيف أو التعليم) فإنه لا يؤثر في النية، كمن نوى مع الصوم هضم الطعام، أو مع الحج رؤية البلاد النائية ونحوه، لكنه ينقص الثواب. اهـ.

والخلاصة: أن من ترك التدخين لحرمته فقط، أعظم أجرا ممن ترك التدخين لحرمته وخشية ضرره على الجسد، وكلا هذين مُثاب مأجور.

وأما من ترك التدخين لمجرد ضرره على الجسم دون التفات إلى إرادة وجه الله، واتقاء إثم المعصية؛ فإنه لا يثاب على تركه للتدخين.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني