الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

من قتل شخصًا دفاعًا عن نفسه ولم تكن له بينة وحكم هروبه من القصاص

السؤال

مؤخرًا قرأت عن أحكام الصائل، وعرفت أنه يجوز دفع الصائل، ولو بالقتل كآخر خطوة، إذا لم ينجح معه غير ذلك، وأنه لا إثم على المصول عليه في هذه الحالة، فهل يجب على المصول عليه أن يثبت أنه دافع عن نفسه؛ حتى لا يطبق عليه القصاص أم لا؟ وفي حالة لم تكن له بينة، فهل ينفذ فيه القصاص شرعًا؟ وهل بوسعه أن يفعل شيئًا مثلًا -كالخروج من المنطقة التي يعيش فيها، أو شيئًا من هذا-؛ لينجو بحياته، ويتفادى القصاص؟ وشكرًا جزيلًا لكم.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فمن قتل غيره، وادّعى أنه صال عليه، فقتله دفعًا للقتل عن نفسه، فإن صدقه ولي المقتول، وإلا فلا بد من إقامة بينة على دعواه.

فإن لم تكن معه بينة، فلوليِّ المقتول أن يطلب قتله قصاصًا، قال ابن قدامة في الكافي: من قتل إنسانًا، أو بهيمة، أو جنى عليهما، وادّعى أنه فعل ذلك للدفع عن نفسه، أو حرمته .. فأنكر الولي، فالقول قول الولي، وله القصاص .. لأن القتل متحقق، وما يدعيه خلاف الظاهر. اهـ. وقال في المغني: ولو قتل رجل رجلًا، وادعى أنه قد هجم منزلي، فلم يمكني دفعه إلا بالقتل، لم يقبل قوله إلا ببينة، وعليه القود. اهـ.

هذا هو الأصل في الحكم.

وهناك بعض الحالات التي توجد فيها قرينة تصدق دعوى الصيال، أو تورث شبهة في استحقاق القصاص، فتكون محل نظر من القاضي؛ لحصول الخلاف فيها، كأن يكون المقتول معروفًا بالشر والفساد، أو كانت بينه وبين القاتل عداوة، أو كان القتل بموضع لا يمكن فيه إقامة البينة؛ لعدم حضور أحد من الناس فيه، جاء في الموسوعة الفقهية: لو قتل رجلًا في داره، وادّعى أنه قد هجم على منزله، فأنكر ولي المقتول:

قال الحنفية: إن لم تكن له بينة، ولم يكن المقتول معروفًا بالشر والسرقة، قتل صاحب الدار قصاصًا. وإن كان المقتول معروفًا بالشر والسرقة، لم يقتص من القاتل في القياس، وتجب الدية في ماله لورثة المقتول في الاستحسان؛ لأن دلالة الحال أورثت شبهة في القصاص لا المال.

وقال المالكية: إن لم تكن له بينة، يقتص منه، ولا يصدق في دعواه، إلا إذا كان بموضع ليس يحضره أحد من الناس، فيقبل قوله بيمينه.

وقال الشافعية: لم يقبل قوله إلا ببينة، ويكفي في البينة قولها: دخل داره شاهرًا السلاح، ولا يكفي قولها: دخل بسلاح من غير شهر، إلا إن كان معروفًا بالفساد، أو بينه وبين القتيل عداوة، فيكفي ذلك للقرينة.

وقال الحنابلة: لم يقبل قوله إلا ببينة، وإلا فعليه القصاص، سواء كان المقتول يعرف بفساد، أو سرقة، أو لم يعرف بذلك. فإن شهدت البينة: أنهم رأوا هذا مقبلًا إلى هذا بالسلاح المشهور، فضربه هذا، فقد هدر دمه، وإن شهدوا أنهم رأوه داخلًا داره، ولم يذكروا سلاحًا، أو ذكروا سلاحًا غير مشهور، لم يسقط القصاص بذلك؛ لأنه قد يدخل لحاجة، ومجرد الدخول، لا يوجب إهدار دمه. اهـ. وهذا كله في حكم القضاء.

وأما فيما بينه وبين الله، فإن كان بالفعل قد قتله دفعًا للقتل عن نفسه، فلا حرج عليه.

ومن ثم؛ فلا جناح عليه إن هرب من القصاص، فعن أبي هريرة قال: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله؛ أرأيت إن جاء رجل يريد أخذ مالي؟ قال: "فلا تعطه مالك". قال: أرأيت إن قاتلني؟ قال: "قاتله". قال: أرأيت إن قتلني؟ قال: "فأنت شهيد". قال: أرأيت إن قتلته؟ قال: "هو في النار". رواه مسلم. وانظر الفتويين: 345541، 80226.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني