الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أحكام من باع سلعة وغيَّر في صفتها

السؤال

والدي عنده مصنع ملابس، يصنع بناطيل حريمي، ويشتري منه التجار النصارى، حيث يقوم بعمل البنطلون بقياس طول 108 سم، ويقوم بتسعيره، وليكن بـ 200 جنيه سعر الدستة (12 قطعة)، وربحه من الدستة مثلا 20 جنيها، وقد يكون سعره في السوق أعلى أو أقل.
التجار عندما يشترون منه يضغطون عليه في السعر، ويفاصلون في السعر إلى أن يقوم بتنزيل سعره مثلا إلى190 جنيها للدستة، غصبا عنه،
وبعدها يحاسبونه على الذي أخذوه مثلا فاتورة بـ 20300 يخصمون أيضا الـ300، ويعطون لأبي ال20000. أليس هذا ظلما؟ واستمر على هذا السعر فترة، ثم قرر تصغير طول البنطلون إلى 105 سم، حتى يوفر؛ لأنهم إن خفضوا سعره ما يكون رابحا فيها. فيقوم بتصغيره لتعويض الربح المناسب، ويبيعه بنفس السعر الذي خفضوه معه في البنطلون الذي طوله 108، حتى يكسب الـ20 جنيها، والتجار يأخذون منه الشغل على هذا الحال، وما اشتكى أحد منهم، وباعوا شغلهم، وما خسروا فيه، وهذا يعني أنهم راضون.
بالإضافة في بعض الأوقات كان يرون العينة للمقاس الذي صغَّره 3 سم، لكن ما يقول لهم إنه قصره فقط كانوا يرون العينة إذا أعجبتهم
يشترون على هذا الأساس. إذن ما عليه شيء؟
هل هذا غش؟ مع العلم ليس في نيته الغش، وإذا كان غشا فكيف التوبة؟
قال الله تعالى: (فمن جاءه موعظة من ربه فانتهى فله ما سلف) يعني ما عليه شيء قبل العلم. صحيح؟
وإذا كان غشًّا، فماذا يفعل وهو عنده المصنع منذ 20 عاما، وغير متذكر فعل هذا كم مرة؟ وهل المال مال حرام، وعليه إخراجه؟ وإذا كان نعم، فهو لا يعرف مقدار المال، وهل المال كله أم الربح؟
هل يجزئ إذا استسمح التجار بمسامحة عامة بدون التوضيح خشية الإحراج؛ لأنهم زبائنه من زمان؟
ما كانت نيته الغش، ولكن فعل هذا لأنهم ينزلون معه في السعر، فلا يربح بشكل جيد، ويخصمون منه أيضا أثناء دفعهم المال. أليس هذا حقه؟
ابن تيمية قال (ومن باع مغشوشا لم يحرم عليه من الثمن إلا مقدار ثمن الغش)
هل هذه الحالة تنطبق على الذي فعله خصوصا ما باعه بسعر زيادة؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فما ذكرته إن كان فيه تدليس على المشترين بكتمان حقيقة وصف السلعة بحيث لو علم المشترون بحقيقة الأمر لما اشتروها بذلك الثمن، فهو حينئذ غش محرم، وإلا لم يعتبر غشا.

قال ابن علان الشافعي في شرح حديث (من غشنا فليس منا): أخرجه مسلم: المراد بالغش هنا، كتم عيب المبيع أو الثمن، والمراد بعيبه هنا: كل وصف يعلم من حال آخذه، أنه لو اطلع عليه لم يأخذه بذلك الثمن، الذي يريد بذله فيه .اهـ. من دليل الفالحين لطرق رياض الصالحين.
وقال الدكتور وهبة الزحيلي: الغش في المعاملات: ممنوع منعاً مطلقاً؛ لقوله صلّى الله عليه وسلم: «من غشنا فليس منا» إذ يهدم الثقة بين المتعاملين، ويجعل الحياة التجارية في اضطراب.

ويشمل الغش كل أنواع الخلابة (أي خديعة المشتري):

من خيانة (كذب في مقدار الثمن) ..

وتناجش (إيهام الغير برغبة الشراء إغراء له به)

وتغرير (إغراء بوسيلة كاذبة للترغيب في العقد)

وتدليس العيب (كتمان عيب خفي في المعقود عليه)

وغبن فاحش، ومن صور الغبن: حالة تلقي الركبان، أي تلقي ابن المدينة قوافل الباعة الواردة من القرى والبوادي، وشراؤها بأقل من سعر السوق بغبن فاحش. اهـ. باختصار من الفقه الإسلامي وأدلته.

وضغط التجار على البائع لخفض السعر لا يبيح الغش والتدليس.

ولا يجوز التلاعب بالفواتير، وكتابة أسعار غير حقيقية، كما بيناه في الفتوى: 196073

والتوبة من الغش يجب فيها -مع الندم والإقلاع والعزم على عدم العودة- أن يتحلل البائع ممن غشهم برد القدر الذي غشهم فيه، أو بطلب السماح والعفو منهم، ولا يكفي طلب العفو العام، بل لا بد من تفصيل المظلمة؛ كما سبق في الفتوى:391468.

وأما قولك: (قال الله (فمن جاءه موعظة من ربه فانتهى فله ما سلف) يعني ما عليه شيء قبل العلم صح) فإن الغش يختلف عن الربا، فالمال المقبوض بالربا مأخوذ برضا صاحبه، بخلاف المال المأخوذ بالغش، فإنه مأخوذ بغير رضا صاحبه، وبالتالي: فإن الجهل بتحريم الغش لا يسقط حق المغشوش منه، وانظر الفتوى: 289348.

وأما قولك:(وهو عنده المصنع من 20 عاما، وغير متذكر فعل هذا كم مرة؟ وهل المال مال حرام وعليه إخراجه؟ وإذا كان نعم لا يعرف مقدار المال، وهل المال كله أم الربح؟ ابن تيمية قال (ومن باع مغشوشا لم يحرم عليه من الثمن إلا مقدار ثمن الغش)) فإنه لا يحرم المال كله، وإنما يحرم مقدار ثمن الغش، كما سبق في الفتويين: 390898 - 300232.

وإذا جهل مقدار ذلك بالتحديد، فإنه يجتهد في تقديره بما يغلب على الظن براءة ذمته به.

قال الرحيباني: وإن كان المختلط دراهم جهل قدرها، وعلم مالكها؛ فيرد إليه مقدارا يغلب على الظن البراءة به منه. اهـ. من مطالب أولي النهى.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني