الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

واجب الولد تجاه أمّه التي تحادث الأجنبي وترسل له ما لا يرضي الله

السؤال

اكتشفت منذ فترة أنّ والدتي تكلم رجلًا، وترسل له ما لا يرضي الله، فتضايقتُ، وغضبتُ كثيرًا، وأثَّر عليَّ الموضوع كثيرًا، وعلى تحصيلي الأكاديمي، وعلى علاقتي مع أمّي، فقد أصبحت لا أطيق رؤيتها، وقررت أن أواجهها، وكان ذلك أمرًا صعبًا، وتجادلت أنا وهي، ولكنها أنكرت ذلك، مع العلم أني أملك دليلًا، وصورًا للمحادثات، ولكنني لا أمتلك الجرأة لأواجهها بذلك، وبعد أنْ واجهتها لاحظت أنها توقفت عن محادثته فترة، ولكنها عادت من جديد لمحادثته، والإرسال له، وأريد مساعدة وحلًّا، فأنا لا أريد لوالدتي أن تنغمس في هذه الرذيلة، وخيار المواجهة صعب، وفكَّرت في إخبار جدتي، أو إحدى خالاتي، ولكن الأمر صعب عليَّ، ولا أريد لأمّي أن تنفضح، وأنا أفكر أن أقوم بتخويفها من حساب وهْمِيّ، فما رأيكم ؟ وشكرًا جزيلًا.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فإن ثبت ما ذكرت عن أمّك من أنها تحادث رجلًا أجنبيًّا، وترسل له ما لا يرضي الله عز وجل، فلا شك في أنها على منكر وإثم مبين.

وأنت على صواب حين كرهت منها ذلك، فمن الإيمان الغيرة على حرمات الله عز وجل حين تنتهك، فقد ثبت في الصحيحين -واللفظ لمسلم- عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله يغار، وإن المؤمن يغار، وغيرة الله أن يأتي المؤمن ما حرم عليه.

ولا حرج عليك في كونك قد أصبحت لا تطيقين رؤيتها، إن كان ذلك في حدود العمل القلبي، ولم يترتب عليه أي نوع من الإساءة لأمّك؛ فأمور القلوب لا اختيار للمرء فيها؛ ولذلك لا يؤاخذ عليها صاحبها، قال تعالى: وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا {الأحزاب:5}، ولمعرفة ما يحصل به العقوق، راجعي الفتوى: 73463.

ونوصيك بكثرة الدعاء لأمّك أن يصلح الله حالها؛ فذلك من أعظم البر والإحسان، والله سبحانه لن يخيب من رجاه، وتضرع إليه ودعاه؛ فهو القائل: وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ {البقرة:186}، وانظري الفتوى 119608، ففيها بيان آداب الدعاء وأسباب إجابته.

وإذا ثبت أنها لم تتب إلى الله، وأنها لا تزال على ما هي عليه، فاستمري في مناصحتها بالحسنى، وبيّني لها أنك تملكين ما يثبت أنها على هذه الحال، إن اقتضى الأمر ذلك، فإن انتهت واستقام أمرها، فذاك، وإلا فهدّديها بإخبار من يمكنهم زجرها عن فعلها هذا، فلعلها تخاف وتزدجر، فإن فعلت، فالحمد لله، وإلا فأخبريهم الحقيقة، من غير بيان تفاصيل المحادثات، ونحو ذلك.

وتخويفها من حساب وهمي، فيه نوع من الكذب؛ فالأصل في ذلك الحرمة، إلا إذا تعيّن سبيلًا لتحقيق المقصود الشرعي، وراجعي الفتوى: 111035.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني