الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

هل توقف المرأة عن التدّرب على القتال مع شباب تعرفهم من التشدد والتخلّف؟

السؤال

هل أصبح الدِّين تخلفًا في هذا الزمن؟ فأنا فتاة أبلغ من العمر 18 سنة، أمارس رياضة الفنون القتالية، وقررت تركها لأنني أتمرَّن مع شباب، ومدربي شاب، وهذا مخالف لدِيننا، وقررت أن أفاتح عائلتي في الموضوع، ولكن ردّهم لم يكن متوقعًا؛ فقد قالوا: إنك تعرفين مدربك والشباب منذ 14سنة، فهم ليسوا غرباء عنك، ويستطيعون السلام عليك؛ حسب مقولة: (رب أخ لم تلده أمك)، وقالوا: عندما تبدئين في الصلاة، فإنك تتغيرين تدريجيًّا؛ إذ تبدئين بعدم الخروج إلا عندما ترتدين شيئًا، وتخرجين أكثر احتشامًا (لست متدينة بعد)، وأنه يجب عليَّ أن أهاجر إلى مكة، وهكذا، وإن الدِّين يسر، وليس عسرًا، والدِّين لا يأمر أن نتخلى عن أحلامنا، وإن ما أفعله خاطئ، فتفاجأت، وبدأت أتساءل في نفسي: هل أنا مخطئة في قراري، ويجب عليَّ أن أستمر فيما أفعله؟ ولم أستطع إجابتهم، وجاءت فكرة أني أصبحت متخلفة، فأفيدوني رجاء -بارك الله فيكم-، وسوف أدع عائلتي تقرأ الرد لعلهم يتفكرون!

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فنقول أولًا: إن المرجع في الأحكام إنما هو إلى الوحي المتمثل في الكتاب والسنة، لا إلى آراء الناس، فكل رأي يخالف الكتاب السنة، لا اعتبار له، قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ {الحجرات:1}، وفي سنن أبي داود عن علي -رضي الله عنه- قال: لو كان الدين بالرأي لكان أسفل الخف أولى بالمسح من أعلاه.

ثانيًا: إن الإسلام ليس دِين تخلف، بل هو دِين واقعي، فلا يفترض مثاليات لا وجود لها في واقع الناس، والله عز وجل هو الذي خلق الخلق، وهو أعلم بما يصلحهم، وإذا قضى بحكم فلا يجوز لأحد أن يُعَقِّب على حكمه، قال سبحانه: وَاللَّهُ يَحْكُمُ لَا مُعَقِّبَ لِحُكْمه {الرعد:41}، وقال أيضًا: وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا {الأحزاب:36}.

وحقيقة التخلُّف إنما هي في مخالفة الشرع، والسير في الطريق الذي يؤدي بصاحبه للخسران المبين، كما قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا الَّذِينَ كَفَرُوا يَرُدُّوكُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ {آل عمران:149}.

ثالثًا: قد بيَّن الشرع عظم الفتنة بين الرجال والنساء؛ بحكم الميل الغريزي بين الجنسين، فقد روى البخاري، ومسلم عن أسامة بن زيد -رضي الله عنهما-، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء.

وفي صحيح مسلم عن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: إن الدنيا حلوة خضرة، وإن الله مستخلفكم فيها، فينظر كيف تعملون، فاتقوا الدنيا، واتقوا النساء؛ فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء.

ولذلك أغلق الشرع كل باب يمكن أن يكون مدخلًا للشيطان، وسببًا لنشر الفتن والفواحش، ومن ذلك ما ثبت في الصحيحين -واللفظ لمسلم- عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: كتب على ابن آدم نصيبه من الزنى، مدرك ذلك لا محالة، فالعينان زناهما النظر، والأذنان زناهما الاستماع، واللسان زناه الكلام، واليد زناها البطش، والرجل زناها الخطى، والقلب يهوى ويتمنى، ويصدق ذلك الفرج ويكذبه.

رابعًا: إن تدريب الرجل المرأة على الفنون القتالية ينطوي على كثير من المحاذير الشرعية، ودواعي الفتنة؛ ابتداء مما تلبسه المرأة، وانتهاء بحركات الجسد، ونظر الرجل إليها، وربما احتاج للمس جسدها، وكل هذه أمور محرمة.

وإذا كان الدِّين يمنع المرأة من مجرد إظهار زينتها، أو أن تلين قولها في الكلام، أو تمر على الرجال متعطرة؛ لئلا تفتن قلوبهم، فكيف يجيز لها أن تقوم بهذه التدريبات أمام الرجل؟!!!

ولا اعتبار هنا لما ذكره أهلك من كون هؤلاء الشباب ليسوا غرباء عنك، ورب أخ لك لم تلده أمك.

خامسًا: إن الإسلام لا يمنع المرأة من ممارسة الرياضة، إذا التزمت في ذلك بالضوابط الشرعية، كما هو مبين في الفتوى: 128405.

سادسًا: إن المرأة إذا ظهر عليها شيء من علامات البلوغ، فقد أصبحت مُكلَّفة؛ فوجب عليها حينئذ التزام أحكام الشرع، ومن أهمها: الصلاة، والتزام الحجاب، وإلا كانت آثمة إثمًا مبينًا، بل وقد ذهب بعض أهل العلم إلى أن من ترك الصلاة -ولو تهاونًا لا جحودًا- خرج عن ملة الإسلام، فالأمر خطير، فالواجب عليك التوبة، والمبادرة للصلاة، والمحافظة عليها، وارتداء الحجاب، وراجعي الفتاوى: 1145، 63625، 26889.

ومن الغريب ما ذكره أهلك من انتظارك حتى تصلي، وتتغيري تدريجيًّا....الخ، والشرع قد أمر بالمبادرة للامتثال، كما أسلفنا، والإنسان لا يدري متى يفجؤه الموت؛ فالموت يأتي بغتة، وحينها يندم حيث لا ينفع الندم، قال الله عز وجل: وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ {الزمر:54}.

فعلينا جميعا أن نتقي الله سبحانه، ونعرف حدوده، ونقف عندها، ولا نتجاوزها؛ لنفوز بسعادة الدارين.

وفق الله الجميع لما يحب ويرضى.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني