الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

خوف التائبة من الرجوع للمعصية وتأجيل لبس الحجاب الشرعي

السؤال

أنا حديثة العهد بالصلاة، وأحاول الالتزام، وعمري27 عامًا، وعانيت إلى أن التزمت -بفضل الله- بالصلاة لمدة ثلاثة شهور، ولكن كل من يراني يستغرب التزامي، وصلاتي، ويقول لي: إنها مجرد أيام وسأعود، ولكنني خائفة جدًّا، وكنت أصلي شكرًا لله على نعمته عليَّ لالتزامي بالصلاة، ولكني علمت أنها بدعة، ولا يذكر في ديننا إلا سجدة الشكر، وأدعو الله يوميًّا أن يجعل الصلاة والقرآن قرة عيني -وقد حفظت جزءًا منه- وأن يجعلني مقيمة الصلاة، وأطلب من الله بكل ذلّ أن يعزّني بالصلاة، ولكنني خائفة جدًّا أن أرجع إلى ما كنت عليه؛ فقد كنت لا أملك القيام للصلاة أبدًا، وأعلم أن الله وحده من يعينني، ولو رفع عني الله عونَه لهلكت، وأنا أثق في الله جدًّا، وأحبّه حبًّا غير عاديٍّ بعيدًا عن الجنة والنار، وأظن فيه كل الخير، وأصبح قلبي معلقًا به حرفيًّا أكثر من زوجي، وابني، وكنت من قبل أخاف أن أسأل نفسي: زوجي أم الله؟ من معرفتي أنني أحبّ زوجي أكثر -أستغفر الله-، ولكني من كثرة خوفي من الرجوع وترك الصلاة، أصبحت حزينة؛ رغم أنني شخصية إيجابية جدًّا، ومن الذين أراد الله أن يجعلهم سعداء في الدنيا -اللهم لك الحمد-.
أنا إنسانة حياتي سعيدة جدًّا من قبل الصلاة، ولكن حياتي بعدها أصبحت أعظم وأجمل وأفضل، فماذا أفعل كي أطمئن قلبي، وأستمر، وأزيد؟
وأنا أريد الانتقاب، أو الالتزام أكثر، ولكن ثيابي حاليًّا ليست أفضل شيء، فلا زلت أرتدي البنطال، ولكنه الجيب بنطلون، بعد أن كنت أرتدي البنطلونات الضيقة. لا أعرف ماذا أقول، ولكني أريد منكم رسالة اطمئنان وإرشاد.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فنحمد الله تعالى أن هداك إلى المحافظة على الصلاة، ولا تلتفتي لتلك الأقوال التي تثبّطك، وتدَّعي أنك ستتركين الصلاة بعد حين، واستمري فيما أنت عليه من المحافظة عليها، وأحسني الظن بالله تعالى أنه سيعينك، ويوفقك، وستجدين منه التوفيق، ففي مسند أحمد، وصحيح ابن حبان من حديث وَاثِلَةُ بْنُ الْأَسْقَعِ -رضي الله عنه- قال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ عَنِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ: أَنَا ‌عِنْدَ ‌ظَنِّ ‌عَبْدِي بِي، ‌فَلْيَظُنَّ ‌بِي مَا شَاءَ.

فظنّي بالله خيرًا، وأنه سيهديك، ويثبتك، وستجدين منه هذا.

ولا ينبغي للمسلم أن يحزن بسبب ما يسمعه من أقوال المثبّطين والقادحين، ولما قال المشركون لرسول الله صلى الله عليه وسلم: كاهنٌ مجنونٌ ساحرٌ، قال الله له: وَلا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ {يونس:65}.

وإن من أعظم ما يثبّتك على الطاعة، والمحافظة عليها؛ مصاحبة الرفقة الصالحة، فابحثي عن أخوات مستقيمات صالحات يَكُنَّ عونا لك على الطاعة، يُذَكِّرْنَكِ إذا نسيت، ويُنَبِّهْنَكِ إذا غَفلْتِ، ويُقَوِّينَكِ إذا ضَعُفْتِ.

وأما لبس البنطلون؛ فالواجب عليك -أختي السائلة- أن تلبسي الحجاب الشرعي عند خروجك من البيت، وقد بيّنا مواصفاته في الفتوى: 6745.

ولا تؤجّلي ارتداءه؛ لأن هذا في حقيقته تأجيل للتوبة من المعصية؛ إذ خروج المرأة بالبنطلون معصية وتبرّجٌ -كما هو معلوم-، كما أن تأجيله قد يؤدّي إلى التساهل في ترك لبس البنطلون مستقبلًا، وانطفاء جذوة التوبة في القلب بعد اشتعالها، فاستغلّي ما تجدينه من قوة الإيمان، وحبّ التقرب إلى الله في تحقيق التوبة النصوح.

واجتهدي في التقرّب إلى الله تعالى حتى يثبّتك الله؛ فإنه من تقرب إلى الله تقرب الله منه، ففي الصحيحين من حديث أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: أَنَا ‌عِنْدَ ‌ظَنِّ ‌عَبْدِي بِي، وَأَنَا مَعَهُ إِذَا ذَكَرَنِي، فَإِنْ ذَكَرَنِي فِي نَفْسِهِ، ذَكَرْتُهُ فِي نَفْسِي، وَإِنْ ذَكَرَنِي فِي مَلَأ، ذَكَرْتُهُ فِي مَلَأ خَيْرٍ مِنْهُمْ، وَإِنْ تَقَرَّبَ إِلَيَّ بِشِبْرٍ، تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ ذِرَاعًا، وَإِنْ تَقَرَّبَ إِلَيَّ ذِرَاعًا، تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ بَاعًا، وَإِنْ أَتَانِي، يَمْشِي أَتَيْتُهُ هَرْوَلَةً.

وانظري الفتوى: 420328، والفتوى: 193643، والفتوى: 114310، وكلها في وسائل الثبات على الطاعة، وتقوية الإيمان.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني