الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

المفاضلة بين سداد الدَّين والصدقة

السؤال

أنا عليّ دين لأصدقائي، وأجله غير محدد، أي أنني أستطيع أن أسدده متى شئت، وهم أغنياء، وليسوا بحاجة لهذا الدَّين الآن، ولم يطالبوني به، وبعض أقاربي بحاجة ماسّة للمال، ولا أستطيع التصدّق وسداد الدَّين في آن واحد، فراتبي لا يكفي، فهل يجب سداد الدَّين أولًا، أم أستطيع أن أتصدق، أو أقرض أقاربي؟ جزاكم الله عنا كل خير.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فاعلم أن الدَّين حق لهؤلاء الدائنين -سواء كانوا أغنياء أم فقراء-.

وأداء الدَّين، والمسارعة بإبراء الذمة، أولى من صدقة التطوع، بل قد ذهب بعض العلماء إلى تحريم تصدّق من عليه دَين بما يمنع وفاء الدَّين، وهو ما صححه النووي -رحمه الله-، قال أبو زكريا النووي في المنهاج: وَمَنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ، أَوْ وَلَهُ مَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ، يُسْتَحَبُّ أَنْ لَا يَتَصَدَّقَ؛ حَتَّى يُؤَدِّيَ مَا عَلَيْهِ. قُلْتُ: الْأَصَحُّ تَحْرِيمُ صَدَقَتِهِ بِمَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ لِنَفَقَةِ مَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ، أَوْ لِدَيْنٍ لَا يَرْجُو لَهُ وَفَاءً.

قال شارحه الخطيب الشربيني: وَأَمَّا تَقْدِيمُ الدَّيْنِ؛ فَلِأَنَّ أَدَاءَهُ وَاجِبٌ، فَيَتَقَدَّمُ عَلَى الْمَسْنُونِ، فَإِنْ رَجَا لَهُ وَفَاءً مِنْ جِهَةٍ أُخْرَى ظَاهِرَةٍ، فَلَا بَأْسَ بِالتَّصَدُّقِ بِهِ، إلَّا إنْ حَصَلَ بِذَلِكَ تَأْخِيرٌ. وَقَدْ وَجَبَ وَفَاءُ الدَّيْنِ عَلَى الْفَوْرِ بِمُطَالَبَةٍ، أَوْ غَيْرِهَا؛ فَالْوَجْهُ وُجُوبُ الْمُبَادَرَةِ إلَى إيفَائِهِ، وَتَحْرِيمُ الصَّدَقَةِ بِمَا يَتَوَجَّهُ إلَيْهِ دَفْعُهُ فِي دَيْنِهِ، كَمَا قَالَهُ الْأَذْرَعِيّ. انتهى.

وقال البهوتي في شرح الإقناع: ووفاء الدين مقدَّم على الصدقة؛ لوجوبه. انتهى.

وعليه؛ فإن كنت تملك ما تقضي به دَينك، وكنت تجد فاضلًا عن ذلك من راتب أو غيره، فلا حرج عليك في الصدقة حينئذ.

وأما إن كنت لا تجد سوى ما تقضي به دَينك، وكان هذا الدَّين حالًّا؛ فالمبادرة بقضائه مقدَّمة؛ إسراعًا لإبراء الذمّة.

وأما هؤلاء المحتاجون من قرابتك، فيمكنك مواساتهم بما فضل عن قضاء دَينك.

ويمكنك الشفاعة لدى ذوي اليَسار؛ ليتصدّقوا عليهم، إن كانوا محتاجين -كما ذكرت-.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني