الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

الفارق الفكري وانعدام الثقافة عند الخاطب هل يبرر الانفصال؟

السؤال

أنا فتاة أبلغ من العمر 24 سنة، في السنتين الماضيتين تقدم لخطبتي ابن خالتي أكثر من مرة، ولكنني كنت أرفض حتى أنهي تعليمي الجامعي. وفور تخرجي تقدم لخطبتي مرة أخرى، وقد شجعني والدي على الموافقة؛ فوافقت.
ولكن خلال فترة الخطوبة اكتشفت الفارق الفكري بيننا، فدائما ما نختلف على أبسط الأشياء، وتكبر المشكلة أكبر من حجمها.
وقد سمعت انتقادات عليه بعد خطوبتنا بأنه شخص غبي منذ الصغر، وهو لم يكمل تعليمه الثانوي، ولكن لا يهمني تعليمه بقدر ما يهمني تفكيره وعقليته.
دائما أتعجب من تفكيره وانعدام ثقافته، والفارق الفكري بيني وبينه. ذات مرة قال لي: (عسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم) فأجبته: (وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم). فرد علي قائلا: لم يذكر الله -تعالى- ذلك في القرآن قط!! أخبرني أيضا أنه لا يفكر في إنجاب الأطفال. وإذا أراد فإنه يريد طفلا واحدا فقط لا أكثر، وهو ما يتعارض مع رغبتي.
وهو غالبا يرغب في التحدث عن العلاقة الحميمة بين الزوجين، ولا يهمه شيء أكثر من هذا. وأنا دائما أرفض الخوض معه في هذه المواضيع؛ لأن العرس لم يحدد بعد، ولأني متحفظة نوعا ما.
حاولت كثيرا أن أخوض معه في نقاشات مختلفة، ولكنه لا يعرف كيف يتحدث، فهو غير ملم بأي معرفة عدا المعرفة الجنسية فقط!
وإذا طلبت منه تطوير نفسه أكثر يغضب، ويحاول أن ينتقص من قيمتي بأي طريقة، هو يحبني كثيرا، ولكن لا أشعر بالراحة معه بسبب طريقة تفكيره ونظرته للحياة، وعدم تقبله للتغيير.
كنت أرغب كثيرا في الارتباط بشخص مثقف؛ كي أتعلم منه، وأتحاور معه بطريقة متوازنة، ونكون متوافقين فكريا.
صليت صلاة الاستخارة، ولكنني ما زلت محتارة، ولا أعلم ماذا أفعل.
أرجوكم ساعدوني، وقدموا لي النصيحة. ماذا أفعل معه؟ وهل أنفصل عنه؛ لأنه لا يتناسب مع ما أرغب وأحلم به، أم أتنازل عن كل شيء وأتزوجه؟
بارك الله فيكم.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فإن من أهم مقاصد الإسلام في تشريع الزواج ديمومته، واستقرار الحياة الزوجية، قال تعالى: وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ {الروم:21}.

ومن أهم ما يعين على ذلك جانب الدين والخلق، روى الترمذي عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا خطب إليكم من ترضون دينه وخلقه؛ فزوجوه، إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض، وفساد عريض.

فهذا الجانب هو المعيار الأهم، فينبغي أن يكون محل نظرك، فإن كان متحققاً في الخاطب، فالمرجو أن لا يكون لغير ذلك من الفوارق تأثير سلبي كبير؛ لأن الزوج حينئذ يعرف لزوجته مكانتها، ويحرص على أن يؤدي إليها حقها عليه.

جاء في الأثر الذي أورده البغوي في شرح السنة عن الحسن البصري أنه أتاه رجل، فقال: إن لي بنتًا أحبّها، وقد خطبها غير واحد، فمن تشير عليّ أن أزوجها؟ قال: زوِّجها رجلًا يتقي الله، فإنه إن أحبّها، أكرمها، وإن أبغضها، لم يظلمها.

والمقصود بيان أهمية الدين والخلق، ولا يعني ذلك بحال إغفال الجوانب الأخرى، فكلما قلَّت الفوارق بين الزوجين كان ذلك أدعى للألفة والمودة.

وعلى أي حال، فإن بدا لك أنه لا يصلح لك زوجا، وأن التفاهم بينكما غير متحقق؛ فحاولي إقناع والدك بفسخ الخطبة.

فإن اقتنع؛ فالحمد لله. وإلا فلك الحق في فسخها؛ لأنه ليس من حقه أن يلزمك بالزواج ممن لا ترغبين في الزواج منه.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية في الفتاوى الكبرى: وليس للأبوين إلزام الولد بنكاح من لا يريد، فلا يكون عاقاً، كأكل ما لا يريد. اهـ.

وننبه إلى أن هنالك حدودا شرعية للتعامل بين الخاطبين لا يجوز تجاوزها، ويمكن مراجعة الفتوى: 8156.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني