الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

الفرق بين الإرادة الكونية والإرادة الشرعية

السؤال

ما الفرق بين مشيئة الله وإذنه؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فالمشيئة والإذن يتفقان ويفترقان، فيتفقان في باب الإرادة الكونية، فالإذن الكوني لله تعالى هو نفسه المشيئة الكونية، ويفترقان في أن الإذن يطلق، ويراد به الإذن الشرعي، بخلاف المشيئة؛ فإنها كونية.

وبيان ذلك أن إذن الله تعالى يطلق ويراد به أحيانا الإذن الكوني، ويراد به أحيانا الإذن الديني الشرعي، والفرق بين الإذن الكوني، والإذن الديني، أن الكوني يكون فيما يحبه الله ويرضاه، وفيما لا يحبه الله ولا يرضاه.

وأما الإذن الديني الشرعي؛ فهو ما شرعه الله تعالى، وهذا لا يكون إلا فيما يحبه الله ويرضاه.

فمما جاء في القرآن من الإذن الكوني والإذن الشرعي الديني ما ذكره شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع فتاواه حيث قال: قَالَ تَعَالَى فِي "الْإِذْنِ الدِّينِيِّ": {مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً عَلَى أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيُخْزِيَ الْفَاسِقِينَ} وَقَالَ تَعَالَى فِي "الْكَوْنِيِّ": {وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ}. اهــ.

وأما مشيئة الله تعالى؛ فالمراد بها إرادة الله الكونية، لأن إرادة الله قسمان -كإذنه-. هناك إرادة شرعية، وهناك إرادة كونية، فمن الإرادة الشرعية قول الله تعالى: يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ {سورة البقرة:}، ومن الإرادة الكونية التي تستلزم وقوع المراد قول الله تعالى: وَلَا يَنْفَعُكُمْ نُصْحِي إنْ أَرَدْتُ أَنْ أَنْصَحَ لَكُمْ إنْ كَانَ اللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يُغْوِيَكُمْ. {سورة هود:34}، وقول الله تعالى: وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلُوا وَلَكِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ. {سورة البقرة:253}.

فالإرادة الكونية هي المشيئة، قال شيخ الإسلام في منهاج السنة: فَالْإِرَادَةُ الشَّرْعِيَّةُ الدِّينِيَّةُ هِيَ الْمُتَضَمِّنَةُ لِلْمَحَبَّةِ وَالرِّضَا، وَالْكَوْنِيَّةُ هِيَ الْمَشِيئَةُ الشَّامِلَةُ لِجَمِيعِ الْحَوَادِثِ. اهــ

وقال أيضا عن الإرادة الكونية: فَإِن نفس "الْإِرَادَة" هِيَ الْمَشِيئَة. اهــ

وقال: فإن مشيئة الله تعالى متناولة لكل شيء، وما وجد شيء محبوب، أو مكروه، فالمشيئة متناولة له. اهــ

وقال: فَمَشِيئَةُ اللَّهِ وَحْدَهُ مُسْتَلْزِمَةٌ لِكُلِّ مَا يُرِيدُهُ، فَمَا شَاءَ اللَّهُ كَانَ، وَمَا لَمْ يَشَأْ لَمْ يَكُنْ. اهــ

وجاء في التحرير والتنوير لابن عاشور: فَالْإِرَادَةُ وَالْمَشِيئَةُ بِمَعْنًى وَاحِدٍ.

وانظر للفائدة الفتوى: 320422، والفتوى: 304552.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني