الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

من الإيمان مدافعة الوساوس

السؤال

لقد أرسلت عدة رسائل ولم يصلني الجواب إلى حد الآن، علماً بأنني مصابة بداء السرطان (أبعدكم الله عنه) وأخاف أن أموت قبل أن تجيبوا أسئلتي، فأرجوكم أرجوكم أجيبوني في أسئلتي جزاكم الله خيراً وإن شاء الله تكونون رفقاء المصطفى (صلى الله عليه وسلم) في جنة الخلد إنه سميع مجيب... ومشكلتي هي أنني أعاني من وسواس لعين لا أستطيع التخلص منه وهو يخبرني أن هناك إلهاً آخر يشبه الله في صفاته لكنه لا يشارك الله في ملك السموات والأرض ولا يشاركه أيضاً في خلق السموات والأرض، بل لديه كونه الخاص به ومخلوقاته الخاصة به، ولو فرضنا أن حدود ملك هذا الإله الآخر تبدأ بعد حدود ملك الله مثلاً؟ سؤالي هو: ما معنى (الكفؤ) في قوله تعالى (لم يكن له كفواً أحد)؟ هل معناها المساوي فقط؟ أم معناها أنه لا يوجد أحد يناظر الله أو يشابهه، لأن المساواة هي غير المماثلة فعندما نقول لا يوجد أحد يساوي الله في صفة مثلا قدرته على الخلق غير عندما نقول لا يوجد أحد منذ الأزل يشابه الله في صفة قدرته على الخلق، فبذلك ننفي كليا صفة قدرة الآخر على الخلق بينما عندما نقول لا يوجد أحد يساوي الله في صفة قدرته على الخلق مثلاً فإننا لا ننفي صفة (قدرة الآخر على الخلق) بل نقول إن الآخر لا يساوي الله فقط في هذه الصفة ولا ننفيها عنه (أي إذا كان الله مثلاً يستطيع أن يخلق عدداً غير محدود من المخلوقات، فإن الآخر يستطيع فقط أن يخلق عدداً محدوداً من المخلوقات، وليس عدداً غير محدود مثل الله تعالى)، فكيف نستدل من القرآن الكريم بأن الله ليس له مثيل أو شبيه منذ الأزل (أي قبل أن يخلق الله مخلوقاته)، سؤالي الثالث هو: قوله تعالى: (وما كان معه من إله إذا لذهب كل إله بما خلق ولعلا بعضهم على بعض)، ففي تفسير هذه الآية يقول المفسرون لا يوجد وجود آخر له رب آخر لابتغى كل إله التفرد بالوجود كله ولفسد الوجود، ولكننا نعلم أن الوجود منتظم وغير فاسد فمعناه خالق الوجود واحد ورب الوجود واحد لكن السؤال المهم هنا هو: لماذا لا يكتفي كل إله بالكون الذي خلقه، لماذا يحاول أن يغزو الإله الآخر ليسلب منه الخلق الآخر لكي ينفرد بالوجود كله، لماذا لا يرضى كل إله بالكون الذي خلقه أي يكون لكل إله كونه الخاص به من غير أن يتعدى على الآخر، ونحن نعلم أنه لا يجب علينا أن نقيس الله تعالى على ما نراه في عالم المخلوقات أي بهذا نشبه الله بالبشر لأن الإنسان القوي يسيطر على الإنسان الضعيف وهذا التشبيه لا يجوز؟ أم نقول كذلك لأن من صفة الله تعالى (المهيمن) أي يجب أن يهيمن على كل شيء وما معنى قوله تعالى (لعلا بعضهم على بعض)، سؤالي الآخير هو: ما معنى قوله تعالى (ليس كمثله شيء) هل لفظة (شيء) هنا تنطبق فقط على الأشياء التي خلقها الله فقط من بشر وشجر وسماء وإلخ...، أم إذا قلنا إنه يوجد إله آخر يشبه الله فبذلك نقول هذا لا يجوز لأن الله ليس كمثله شيء، والسؤال آخر هو: هل الوجود غير المتناهي لله تعالى معناه أن الله يوجد فقط في الكون الذي خلقه أي في السماوات السبع والأرضين السبع أي لا تخلو عنه ذرة في الأرض ولا في السماء، أم إذا قلنا مثلاً إنه يوجد إله آخر يشبه الله في صفاته لكنه غير مشارك لله في ملك السموات والأرضين ولا في خلقهما ولكن لديه كونه الخاص به والذي يبدأ مثلاً بعد حدود ملك الله (في المكان لا في الزمان) فبذلك نقول إن هذا غير ممكن لأن الله تعالى وجوداً غير متناه أي غير محدود أي لا ينتهي فقط في الكون الذي خلقه بل يتعداه إلى الكون الذي خلقه الإله الآخر، وبما أن الله لا يرضى بالشريك فبهذا لا يوجد إله آخر يشبه الله تعالى، ما معنى إن الله واحد بلا عدد؟ وجزاكم الله ألف خير وبارك الله فيكم.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فاعلمي أختي المسلمة أن هذه الوساوس التي تعرض لك يجب عليك دفعها وعدم الاسترسال معها أو التمادي فيها، وبذلك تنالين علامة من علامات الإيمان، ثبت في صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: جاء ناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فسألوه: إنا نجد في أنفسنا ما يتعاظم أحدنا أن يتكلم به، قال: أو قد وجدتموه؟ قالوا: نعم، قال: ذاك صريح الإيمان.

فادفعي هذه الوساوس، وكوني لها كارهة، واستعيذي بربك من الشيطان الرجيم، تسلمي من مكائده، ثم اعلمي أن الله عز وجل هو رب العالمين، المتفرد بصفات الجلال والكمال فهو الخالق وملك السماوات والأرض فلا رب سواه، قال الله تعالى: ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ لَّا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ [غافر:62]، وقال سبحانه: ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِن قِطْمِيرٍ [فاطر:13]، فثبت أنه وحده المالك وأنه وحده الخالق، فكوني من ذلك على يقين ولا تلتفتي إلى الوساوس، وأما قوله تعالى: وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ [الإخلاص:4]، فهو نفي لكلا الأمرين، فهو لا شبيه له ولا مساوي له، قال القرطبي عند تفسير هذه الآية: لم يكن له شبيه ولا عدل. انتهى.

وقال ابن كثير في تفسيره: يعني هو الواحد الأحد الذي لا نظير له ولا وزير، ولا نديد، ولا شبيه، ولا عديل.

وبخصوص الآية الأخرى وهي قوله تعالى: مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِن وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذًا لَّذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلَا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ [المؤمنون:91]، فهي دليل على ربوبية الله وحده واستحقاقه للعبادة دون سواه، وقد عبر بعض العلماء عما ورد فيها بدليل التمانع، ولا شك أنه لو افترض وجود خالق آخر ولو في كون مستقل أن ذلك يقتضي نقصاً في الخالق، والحال أنه هو القاهر المهيمن على كل شيء، وقوله تعالى: وَلَعَلَا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ [المؤمنون:91]، معناه كما قال البغوي في تفسيره: أي طلب بعضهم مغالبة بعض كفعل ملوك الدنيا فيما بينهم. انتهى.

وقول الله تعالى: ِ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ [الشورى:11]، من أقوى الأدلة على وحدانية الله تعالى، وقد وردت مطلقة غير مقيدة بزمان، فهو متفرد بالوحدانية منذ الأزل، وقد ورد لفظ "شيء" نكرة في سياق النفي فيعم كل الأشياء.

وبخصوص وجود الله تعالى فالواجب الوقوف عند ما ورد في الكتاب والسنة، دون التعمق والتكلف فيما يتعلق بالمكان والزمان ونحو ذلك، فالسلامة لك أيها الأخت الفاضلة أن لا تلتفتي إلى الوساوس أبداً وإلا أدت بك إلى الوقوع في مهاوي الردى.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني