الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

الصلاة خلف إمامٍ يسلّم من صلاته بلفظ: (سلام عليكم ورحمة الله)

السؤال

ما صحة صلاة إمام يسلّم من الصلاة بقول: "سلامُ عليكم ورحمة الله"، بضم ميم السلام، وعدم الإتيان ب (ال) التعريف؟ وما صحة صلاة المأموم خلفه؟ مع العلم أنه غير مقلّد للمذهب الحنفي في مسألة السلام من الصلاة، وأكثر أئمة العراق يسلمون هكذا، وأنا متأكد من هذا ولست شاكًّا؛ لأني أميّز طريقة السلام.
وقد نصحت أكثر من إمام، لكن ما زال هناك من ينطق السلام بهذه الصيغة، وأحيانًا لا يأتي الإمام الراتب، فيصلّي بنا من لا ينطق السلام بصورة صحيحة جهلًا منه، وأحيانًا أخرى يخطئ الإمام الذي يسلم بطريقة صحيحة في نطق السلام سهوًا، لكنه لا يسجد للسهو، فهل أترك صلاة الجماعة؟ وهل يمكن أن يُتسامح في هذا؛ قياسًا على قول العلماء بصحة صلاة من يلفظ الضاد ظاء في الفاتحة؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فقد بينا في الفتوى: 157575 خلاف الفقهاء فيمن سلّم من صلاته منكّرًا للفظ السلام -أي بدون الألف واللام-، هل يجزئه ذلك أم لا؟

قال ابن قدامة في المغني: فَإِنْ قَالَ: "سَلَامٌ عَلَيْكُمْ" مُنَكِّرًا مُنَوِّنًا، فَفِيهِ وَجْهَانِ:

أَحَدُهُمَا: يُجْزِئُهُ ... لِأَنَّ التَّنْوِينَ قَامَ مَقَامَ الْأَلِفِ وَاللَّامِ، وَلِأَنَّ أَكْثَرَ مَا وَرَدَ فِي الْقُرْآنِ مِنْ السَّلَامِ بِغَيْرِ أَلِفٍ وَلَامٍ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ} [الرعد:24]، وَقَوْلِهِ: {يَقُولُونَ سَلامٌ عَلَيْكُمُ} [النحل:32]، وَقَوْلِهِ: {وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلامٌ عَلَيْكُمْ} [الزمر:73]، وَلِأَنَّا أَجَزْنَا التَّشَهُّدَ بِتَشَهُّدِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَأَبِي مُوسَى، وَفِيهِمَا: "سَلَامٌ عَلَيْك" بِغَيْرِ أَلِفٍ وَلَامٍ، وَالتَّسْلِيمَتَانِ وَاحِدٌ.

وَالْآخَرُ: لَا يُجْزِئُهُ ...

وَقَالَ أَبُو الْحَسَنِ الْآمِدِيُّ: لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يُنَوِّنَ التَّسْلِيمَ أَوْ لَا يُنَوِّنَهُ؛ لِأَنَّ حَذْفَ التَّنْوِينِ لَا يُخِلُّ بِالْمَعْنَى؛ بِدَلِيلِ مَا لَوْ وَقَفَ عَلَيْهِ. اهــ مختصرًا.

والقول بالصحة له حظ من النظر، وفيه توسعة على الناس، لا سيما إذا كان تنكير السلام هو الشائع بين الأئمة، وغيرهم؛ فمثل هذا لا يشدد فيه الفقهاء، ويقولون بالعفو عنه؛ لمشقة الاحتراز، ولما في خلافه من الشدة من القول بإبطال صلاة الناس، كما قاله بعض الحنابلة في مسألة تكبيرات الانتقال؛ فإن المذهب عندهم أنها واجبة في محلها، وهو الانتقال، وأن من أتمّها في غير الانتقال، فقد ترك واجبًا متعمدًا تبطل به الصلاة، ولكنهم خففوا في هذا، كما قال في شرح المنتهى: وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُعْفَى عَنْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ التَّحَرُّزَ عَنْهُ يَعْسُرُ، وَالسَّهْوَ بِهِ يَكْثُرُ، فَفِي الْإِبْطَالِ بِهِ وَالسُّجُودِ لَهُ مَشَقَّةٌ. اهــ.

فكذا لو كان تنكير السلام هو الشائع عند الناس، وتصحّ به الصلاة عند بعض أهل العلم، فلا مناص من القول بالصحة حينئذ، ومن أراد الاحتياط ولم يصلّ خلف إمام ينكّر السلام، لم يُنكَر عليه.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني