الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

مفهوم طاعة المرأة لزوجها وحدودها

السؤال

أنا فتاة متزوجة من عام، ولله الحمد. قبل الزواج كنت طالبة في المسجد منذ الثالثة عشر من عمري عند شيخ، وأتممت حفظ القرآن عليه، وشرطي لزوجي هو أن لا يمنعني من تعلم القرآن وتعليمه، خاصة أن هناك عددا كبيرا من النساء أردن الدراسة عندي، إضافة إلى إتمامي الدكتوراه في دراستي.
في أول الأمر وافق، لكن بمجرد أن تزوجنا تخلى عن جميع ما وعدني به، وبحكم إصراري الكبير عليه قبل الزواج أحسست أنه كذب عليَّ. علما أن لي تعلقا شديدا بالمسجد.
بدأت المشاكل بيننا يوما بعد يوم، وأصبحت سليطة اللسان إذا أخطأ معي، خصوصا عند غضبي، كثيرا ما كنت أستعمل ألفاظا قاسية مع رفع الصوت عليه لشدة قهري، ولإحساسي بأنه كذب عليَّ، لكن بمجرد زوال غضبي كنت أعتذر منه، وأن ما يصيبني من قلق مجرد ضغط أخرجه بذلك الشكل. غير ذلك أقوم بكل واجباتي تجاهه، ولا أنقص من حقه شيئا.
مشكلتي: هل عليَّ ذنب في ردة فعلي التي أبررها دائما بكذبه عليّ، ووعوده التي أخلفها؟ وهل له حق أن يمنعني من المبيت عند أخواتي؟ وهل له حق أن يرفض خروجي من المنزل إلا مع والدتي، حتى اسمي الحقيقي على الفيس بوك أمرني بتغييره؛ رغم أنني وجدت أن اسمي ليس عورة في الإسلام. هل لي أن أطيعه في كل ما يأمرني به، حتى فيما أحله الله لنا؟
حالتي النفسية سيئة جدا؛ لأنه شديد الغيرة، ومنعني من كل شيء، ولهذا السبب أصبحت كثيرا ما أفقد أعصابي.
رجاءً دلوني، فأنا تائهة.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فقد أحسنت باهتمامك بالقرآن، وحرصك على حفظه، وتعلمه، وتعليمه، فجزاك الله خيرا، ونفعك، ورفع شأنك بالقرآن في الدنيا والآخرة.

وإن كان زوجك قد وافق قبل العقد على اشتراطك عليه أمر تعليم القرآن، وتعليمه، وإكمال دراستك؛ فالواجب عليه الوفاء بذلك، وسبق بيان ذلك في الفتوى: 1357.

فإن كان الحال ما ذكرت من أنه لم يف لك بذلك؛ فإنه مسيءٌ بذلك. ولكن ليس من حقك مقابلة هذه الإساءة بإساءتك له، ورفع صوتك عليه، وتأثمين بذلك؛ لأن هذا نوع من النشوز، ويتنافى مع ما جعل الله له من القوامة عليها. وقد أحسنت باعتذارك إليه، والواجب عليك الحذر من أن يتكرر منك ذلك.

واجتهدي في اتقاء الغضب، والعمل على علاجه بما وردت به السنة، ويمكنك الاستفادة مما ذكرناه بهذا الخصوص في الفتوى: 8038.

ومن حق زوجك منعك من المبيت مع أخواتك، وله أيضا منعك من الخروج من البيت إلا مع أمك، ويجب عليك طاعته في ذلك، إلا أن يكون هنالك ما يسوغ لك الخروج بغير إذنه.

وسبق بيان بعض الحالات التي يجوز للمرأة فيها الخروج بغير إذن زوجها، وقد ذكرناها في الفتوى: 426862.

وإن منعك زوجك من كتابة اسمك الحقيقي في الفيسبوك أو غيره، فالذي نراه أن الواجب عليك طاعته في ذلك؛ لأن وسائل التواصل باب من أبواب الفتنة، وكثيرا ما تكون سببا للمشاكل بين الزوجين، وخراب البيوت، فقد يترتب عليها ضرر على الزوجة، أو على الزوج، أو على الاثنين معًا، فهي من الطاعة في المعروف.

وقولك: هل لي أن أطيعه في كل ما يأمرني به حتى فيما أحله الله لنا؟ "نقول جوابا عنه: إننا نرجح أن طاعة المرأة لزوجها مقيدة بأمور الزواج وتوابعه، ومن أهل العلم من ذهب إلى أن المرأة يجب عليها طاعة زوجها في كل ما يأمرها به مما لا معصية لله فيه، وسبق بيان ذلك بالتفصيل في الفتوى: 130355.

وفي الختام ننبه إلى أمرين:

الأول: أن الغيرة إن كان الداعي لها ريبة؛ فهي غيرة محمودة، بخلاف ما إن كانت لغير ريبة، فإنها مذمومة، كما سبق بيانه في الفتوى: 17659. وينبغي للزوج ترشيد غيرته بناء على هذا التفصيل اتقاء لحدوث ما لا تحمد عواقبه.

الثاني: ينبغي أن يسود بين الزوجين الحوار والتفاهم في إطار مصلحة الأسرة، وأن يكون بينهما الاحترام المتبادل، وأن يعين الزوج زوجته في التواصل مع أهلها وصلة رحمها ما أمكن ذلك، فإن هذا مما تدوم به العشرة، وتكتسب المودة، ويكون به حسن العشرة مع الأصهار.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني