الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

رفض الوالد الخاطب بسبب إساءة أمّه له

السؤال

رزقني الله نعمًا كثيرة في حياتي، وعمري الآن 25 عامًا، وتقدّم لخطبتي من أحببته عندما بلغت ال 18، لكن أبي رفض بشدة؛ لأن الشاب ابن خالتي، وعندما تشاجر والداي ونحن صغار، تدخّلت خالتي في ذلك الشجار، ورفعت الحذاء على والدي؛ لذلك فهو لا يريد أن يناسبها، وقد تكلّمت معه، وأخبرته أنني أحبّ ذلك الشاب وأريده، ولكن رفضه استمرّ، واستمرّ الشاب في التقدّم لمدة ثلاث سنوات، فهل يحقّ لأبي رفض ذلك الشاب لذلك السبب، أم إنها نتيجة الاستخارة، وأنه لم يكن خيرًا؟
أريد أن أفهم جزئية القدر، فعندما بلغت ال 22، تقدّم لخِطبتي شاب آخر صالح تقيّ، ورفض أبي في بادئ الأمر؛ لأنه قريبي أيضًا، ولكني استطعت إقناعه بالقبول على مضض، واستخرت، ولم أشعر براحة أبدًا، لكني استمررت في الأمر، وحصل شجار بيني وبين أمّي، وأخبرتها أني لا أريده، وفي لحظة اتصلت أمّي، وأنهت الأمر، رغم أني حاولت منعها وأخذ الهاتف، ولكنها أصرّت، فهل تلك نتيجة الاستخارة؟ وما زلت حزينة حتى الآن، ولم أستطع الدخول في أي علاقة بسبب المشاحنات بين والديّ، واقتنعت بأني لن أتزوّج، ولكني أرغب بالزواج حقًّا.
وذلك الشاب قد خطب، ولكنه ما زال يحبّني، ويريدني، فهل يحقّ لي أن أكلّمه، أم إنها نتيجة الاستخارة، وأنه لم يكن خيرًا؟ وكيف أتخطّى الأمر؟ فالزواج رزق، ومعروف أنه مهما حصل، فسيأتي رزقي إليّ، ولن يذهب لغيري، أليس ذلك صحيحًا؟ ومشاحنات والديّ تظهر دائمًا كلما تقدّم لخطبتي أحدهم، ولم يمزّق قلبي غير هذين الشابين، وهل لومي لأهلي بسبب ما حصل يعدّ عقوقًا، أم إني أنا المخطئة؛ فقد كان من المفترض أن أبذل مجهودًا أكبر لأجل مصلحتي، وزواجي؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فإن كان ابن خالتك صاحب دِين وخُلُق؛ فما كان ينبغي لأبيك رفض تزويجه؛ لمجرد ما كان بينه وبين أمّه؛ فقد حث الشرع على اختيار الأكفاء في الزواج، كما في الحديث الذي رواه ابن ماجه عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا أتاكم من ترضون خُلُقه، ودِينه؛ فزوّجوه، إلا تفعلوا؛ تكن فتنة في الأرض، وفساد عريض.

قال المناوي في فيض القدير: "فزوّجوه" ندبًا مؤكدًا. اهـ.

وإذا استخرت في الزواج منه، ولم يتم ذلك؛ فإن هذا قد يكون نتيجة لهذه الاستخارة؛ فإنها تعرف بالتوفيق للأمر المستخار فيه من عدمه، كما أوضحنا في الفتوى: 123457. وما ذكرناه هنا يشمل ما كان من أمر الزواج من الشاب الآخر.

وإذا فات الأمر؛ فلا تحزني، ولكن قولي: "قدر الله، وما شاء الله فعل"، ولا تفتحي على نفسك باب الحسرات، وعذاب النفس، روى مسلم عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: وإن أصابك شيء، فلا تقل: لو أني فعلت؛ كان كذا وكذا. ولكن قل: "قدر الله، وما شاء فعل"؛ فإن لو تفتح عمل الشيطان.

ولا يجوز لك التواصل مع هذا الشاب؛ لكونه أجنبيًّا عنك، ومثل هذا التواصل قد يكون بابًا للفتنة، وذريعة للفساد؛ ولذلك شدّد الفقهاء في أمر التعامل بين الرجل والمرأة الأجنبية، ونقلنا نصوصهم بهذا الخصوص في الفتوى: 21582.

هذا بالإضافة إلى أن هذا التواصل يمكن أن يكون سببًا في إفساد خِطبته من تلك الفتاة، وربما ترتب على ذلك الأحقاد، والضغائن، كما بينا في الفتوى: 387823.

ولا شك في أن الزواج نوع من الرزق، وسيأتيك ما قدّر لك منه؛ ففوضي أمرك إلى الله تعالى، وسليه أن يرزقك الزوج الصالح.

هذا مع بذل الأسباب بالبحث عن طريق الثقات -من أقربائك، وصديقاتك-؛ فالمرأة يجوز لها شرعًا البحث عن الزوج الصالح، بل وعرض نفسها على من ترغب في زواجه منها؛ بشرط مراعاة آداب الشرع، واجتناب كل ما يؤدّي للفتنة، وانظري الفتوى: 65295.

ولا يجوز لك لوم والديك فيما حصل، فإن ذلك وإن كان سببًا إلا أن مثل هذا اللوم قد يكون فيه إيذاء لهما، مع عدم الفائدة؛ وبهذا يحصل العقوق، وراجعي الفتوى: 73463.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني