الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

حكم قراءة كتب العلم بغير إذن أصحابها

السؤال

أنا أقرأ كُتُبًا، ولكني أحملها من الإنترنت على صيغة Pdf، وقد سمعت أنها محرمة، ولا أفهم وجه التحريم، خصوصا أنها لا تنسب الكتاب لنفسها، وإنما لكاتبه، ولكن يكون هناك كتاب لا يسمحون بذلك. وكذلك الكتب المطبوعة من الطبعة الأصلية التي تباع بأرخص من سعرها الأصلي.
علما بأنه لا يتوفر لديَّ إلا ذلك، ولا أستطيع شراء الكتب الأصلية؛ لأنها غير موجودة إلا عن طريق شرائها أونلاين، وسعر التوصيل غالٍ.
كما أن الكتب ليست جميعها دينية، ففيها كتب دنيوية، وقد رأيت جميع الفتاوى في هذا الموضوع، ولم أستطع أن أحدد؛ هل حلال أم حرام؟ فأفيدوني، جزاكم الله خيرا.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فالأصل أن التصرف في ملك الغير لا يصح إلا بإذنه، وإذا قلنا: إن المؤلف يملك تأليفه، فلا يصح الانتفاع بتأليفه إلا بإذنه، وهذا هو ما يعرف بالحقوق المعنوية أو الأدبية، والتي قال بها أكثر العلماء، وجهات الفتوى من المعاصرين، وهو ما نص عليه قرار مجمع الفقه الإسلامي، ولفظه: حقوق التأليف والاختراع أو الابتكار مصونة شرعاً، ولأصحابها حق التصرف فيها، ولا يجوز الاعتداء عليها. اهـ. وراجعي في ذلك الفتويين: 6080، 147571.

وهذا لا يختلف كثيرا عما نص عليه الفقهاء قديما في حكم النظر في كتب العلم بغير إذن أصحابها.

قال البغوي في شرح السنة: أما كتب العلم، فقد قيل: يجوز النظر فيه بغير إذن صاحبه، لأن العلم لا يحل منعه، ولا يجوز كتمانه. وقيل: لا يجوز لظاهر الحديث [يعني حديث: «من نظر في كتاب أخيه بغير إذنه فإنما ينظر في النار»] ولأن صاحب الشيء أولى بمنفعة ملكه، وإنما يأثم بكتمان العلم الذي سئل عنه، فأما منع الكتاب عن غيره، فلا إثم فيه. اهـ.

وقد عقد ابن مفلح في «الآداب الشرعية» فصلا في نظر الرجل في كتاب غيره بإذنه أو رضاه، وقال فيه:

قال الخلال: كراهية النظر في كتاب الرجل إلا بإذنه، قال أبو بكر بن عسكر: كنت عند أبي عبد الله – يعني الإمام أحمد - وعنده الهيثم بن خارجة، فذهبت أنظر في كتاب أبي عبد الله، فكره أبو عبد الله أن أنظر في كتابه. واطلع عبد الرحمن بن مهدي في كتاب أبي عوانة بغير أمره، فاستغفر الله مرتين. وقال أحمد في رواية مهنا في رجل رهن مصحفا هل يقرأ فيه؟ قال: أكره أن ينتفع من الرهن بشيء. وقال في رواية عبد الله في الرجل يكون عنده مصحف رهن: لا يقرأ إلا بإذنه ... وذكر بعض الشافعية ما هو ظاهر في أن النظر في كتاب الغير من كتب العلم لا يحرم، وفي الحديث عن النبي -صلى الله عليه وسلم-: «من نظر في كتاب أخيه بغير إذنه فكأنما ينظر في النار» قال ابن الأثير في النهاية: وهذا محمول على الكتاب الذي فيه سر وأمانة يكره صاحبه أن يطلع عليه، قال: وقيل هو عام في كل كتاب ... قال المروذي: قلت لأبي عبد الله: رجل سقطت منه ورقة فيها أحاديث فوائد فأخذتها، ترى أن أنسخها وأسمعها؟ قال: لا إلا بإذن صاحبها .. اهـ.

هذا؛ وننبه إلى أن حديث "من نظر في كتاب أخيه بغير إذنه فإنما ينظر في النار" رواه أبو داود وضعفه، وقال الشوكاني في الفوائد المجموعة: طرقه واهية. اهـ. وضعفه الألباني جدا.

هذا؛ وقد رخّص بعض أهل العلم في ذلك للانتفاع الشخصي؛ بشرط ألا يتخذ وسيلة للتكسب، مع الاقتصار على قدر الحاجة، وراجع في ذلك الفتويين: 13170، 113599.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني