الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

مَن يدفع الدية في قتل الخطأ؟ وكم مقدارها؟

السؤال

نحن عشرة إخوة، مات والدنا منذ أن كنا صغارًا، وكل شخص تفرّغ لحياته الخاصة وأولاده، وفي أحد الأيام تشاجر أحد الإخوة العشرة وقتل شخصًا عن طريق الخطأ، فعلى مَن تجب الدية؟ وما مقدارها؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فالدية في قتل الخطأ يدفعها عاقلة القاتل بشروط، ذكرناها في الفتوى: 207445.

والمقصود بالعاقلة العصبة، وهم: الأب، والجد، وإن علا، وأبناء القاتل، وإن سفلوا -أي: ابنه، وابن ابنه-، وإخوة القاتل -الأشقاء، ومن الأب-، وأبناؤهم، والأعمام الأشقاء، ومن الأب، وأبناؤهم؛ فهؤلاء العصبة هم العاقلة الذين يتحمّلون الدية في قتل الخطأ، ويشاركهم الجاني في تحمّلها، على خلاف بين أهل العلم في بعض هؤلاء هل يدخلون في العاقلة أم لا، والذي ذكرناه هو ما نراه راجحًا، قال شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى: وَأَمَّا الْعَاقِلَةُ الَّتِي تَحْمِلُ، فَهُمْ عَصَبَتُهُ -كَالْعَمِّ، وَبَنِيهِ، وَالْإِخْوَةِ، وَبَنِيهِمْ- بِاتِّفَاقِ الْعُلَمَاءِ. وَأَمَّا أَبُو الرَّجُلِ، وَابْنُهُ، فَهُوَ مِنْ عَاقِلَتِهِ أَيْضًا عِنْدَ الْجُمْهُورِ -كَأَبِي حَنِيفَةَ، وَمَالِكٍ، وَأَحْمَدَ فِي أَظْهَرِ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْهُ-، وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى، وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ: أَبُوهُ وَابْنُهُ لَيْسَا مِنْ الْعَاقِلَةِ. اهــ.

ومن كان من العصبة فقيرًا؛ فإنه لا يدفع شيئًا، وتكون على الغني منهم، يشتركون فيها، قال ابن قدامة في المغني: (وَلَيْسَ عَلَى فَقِيرٍ مِنْ الْعَاقِلَةِ، وَلَا امْرَأَةٍ، وَلَا صَبِيٍّ، وَلَا زَائِلِ الْعَقْلِ حَمْلُ شَيْءٍ مِنْ الدِّيَةِ) أَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّهُ لَا مَدْخَلَ لَأَحَدٍ مِنْ هَؤُلَاءِ فِي تَحَمُّلِ الْعَقْلِ. قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: أَجْمَعَ كُلُّ مَنْ نَحْفَظُ عَنْهُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّ الْمَرْأَةَ، وَالصَّبِيَّ الَّذِي لَمْ يَبْلُغْ، لَا يَعْقِلَانِ مَعَ الْعَاقِلَةِ، وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ الْفَقِيرَ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ، وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَصْحَابِ الرَّأْيِ. اهــ.

ولا يدخل في العاقلة ذوو الأرحام -كأخ القاتل من الأمّ، والعمّ من الأم، والجد أب الأمّ-.

وأما مقدار الدية، فالدية مائة من الإبل، وهذه باتفاق، جاء في الموسوعة الفقهية: اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ الإْبِل أَصْلٌ فِي الدِّيَةِ، فَتُقْبَل إِذَا أُدِّيَتْ مِنْهَا عِنْدَ جَمِيعِ الْفُقَهَاءِ. اهـ.

وتدفع مقسّطة على ثلاث سنوات، وانظر المزيد في الفتوى: 322219، والفتوى: 59987.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني