الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

ما يلزم من صرف أموال المتبرعين في غير ما تبرعوا له ووضعها في البورصة وخسارتها

السؤال

والدي -الله يرحمه- جمع تبرعات من أصدقائه، وغيرهم لبناء مستوصف طبي، لأهل قرية منذ تاريخ ما، حتى 2015 تقريبا (160 ألف جنيه)، واستمر في ذلك، للبدء في البناء، بعد استخراج الترخيص، ولم يستطع إكمال التبرعات لقلة المتبرعين، والتبرعات.
فوضع مبلغ (70 ألفا) في الجمعية الشرعية التابعة لهذه القرية، وأبلغهم أن يخرجوها لأي عمل خيري لهذا البلد ( زواج، أيتام،
وصدقات، وغيره )، ولم يرجع للمتبرعين لتغيير النية، واعتمد أن التبرع كان المقصود به خيرا لأهل هذه القرية، مع العلم أن هذا المبلغ إلى الآن متواجد في الجمعية الشرعية (70 ألفا )، ولكن بنية غير بناء المستوصف، فماذا على أولاده فعله؛ لإبراء ذمة أبيهم؟ وهل يتم إبلاغ الجمعية بتغيير النية مرة أخرى، وإرجاعها للأصل، وهي البناء، ولو لم يرضوا بهذا بحُجة أن الأموال دخلت لأمر آخر، فماذا علينا فعله؟
مع العلم أن من أنشطة هذه الجمعية، بناء المستوصفات، والمساجد.
تبقى مع والدي (90 ألفا)، وأراد أن يزيد من هذه الأموال؛ للبناء، فوضعها في البورصة، دون الرجوع للمتبرعين، وخسرت هذه الأموال، وسأل من فترة، وقيل له: تتحمل الخسارة، وأنت مسؤول عن التسعين ألفا كاملة.
مع العلم أنه لو استمر في الاحتفاظ بهذه الأموال، لكانت بقيت معه حتى عام 2022، (وقت طلوع الرخصة للبناء)، وتم التأكد من أمين الجمعية أن والدي لم يقصر في استخراج التراخيص، وأجزم أن والدي كان شديد المطالبة بالإسراع في البناء، وأنه كان يسعى بكل ما أوتي من قوة للبناء. فماذا على أولاده -أيضا- فعله لإبراء ذمته ؟ وهل يمكن أن نُشهد الله على سداد المطلوب بالنيابة عن والدنا، ويسقط من عليه الدَّين؟ وهل يستمر الذنب على والدي حتى الانتهاء بالكامل من المبلغ؟ وهل يجوز إخراج مبلغ كل شهر؟ وهل سيكون العذاب لوالدي موجود، أم يتم التخفيف من بداية السداد؟
وجزاكم الله كل خير.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فالأصل في هذا هو لزوم مراعاة قصد المتبرعين، والتقيد به، وراجع في ذلك الفتويين: 99802، 252595.

وعلى ذلك؛ فإن كان التبرع مخصوصًا ببناء المستوصف، فلا يجوز صرفه لغير ذلك من أعمال البر.

وأما إن كان قصد المتبرعين هو مطلق الخير لأهل القرية كلهم، أو بعضهم؛ فلا حرج في صرفه في أيّ باب من أبواب الخير يحتاجه أهل القرية كلهم، أو بعضهم. وعندئذ يجزئ عن والدكم ما فعله من دفع المبلغ المذكور للجمعية الشرعية؛ لعمل خير لأهل البلد، من زواج أيتام، وصدقات، ونحو ذلك.

وأما في حال قصد المتبرعين لخصوص بناء المستوصف، فيجب إبلاغ القائمين على الجمعية بذلك؛ ليلتزموا به، طالما أن من أنشطة هذه الجمعية بناء المستوصفات، وإلا رد المبلغ للمتبرعين، أو طلب إذنهم في استعمال المال في باب آخر من أبواب الخير.

وأما وضع المبلغ الباقي في البورصة، دون إذن المتبرع، فهذا تعدٍّ، يوجب ضمان المال على من فعل ذلك في حياته، ومن تركته بعد وفاته، وإلا بقيت ذمته مشغولة بهذا الحق. فإن لم يكن في تركة المتوفى ما يوفى منه هذا الحق، وأراد أبناؤه إبراء ذمته، فيبادروا إلى ذلك، تخليصا لوالدهم من هذه التبعة، التي لا يتخلص منها إلا بأدائها.

وأما الحكم بإثم الميت، وتعذيبه بسبب دينه، فهذا يختلف بحسب حال المتوفى، وسبب الاستحقاق، والله تعالى هو من يقضي في ذلك.

وقد ورد في النصوص الشرعية ما يدل على أن المدين المتوفى يتجاوز الله عنه، إذا كان عازما على الوفاء.

وراجع في ذلك الفتاوى: 193983، 169703، 134831.

والمطلوب منكم على أية حال، هو المبادرة إلى رد هذا الحق بحسب الإمكان، ثم الاستغفار لوالدكم، والدعاء له.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني