الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

الإخلال ببعض أركان الصلاة هل يخرج من الملة؟

السؤال

قرأت هذا الحديث : (لو مات هذا على حاله هذه مات على غير ملة محمد، ينقر صلاته كما ينقر الغراب الدم، مثل الذي لا يتم ركوعه، وينقر في سجوده مثل الجائع الذي يأكل التمرة، والتمرتين، لا يغنيان عنه شيئا)
هل معنى هذا الحديث أن الذي ينقر في صلاته يكفر؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فإن الحديث الذي ذكرته حسن الإسناد، كما قال الشيخ الألباني في أصل صفة صلاة النبي -صلى الله عليه، وسلم-، ويؤيده ما جاء في صحيح البخاري: رأى حذيفة رجلا لا يتم الركوع، والسجود، قال: ما صليت، ولو مت مت على غير الفطرة التي فطر الله محمدا -صلى الله عليه وسلم- عليها. اهـ.
وفي رواية أخرى للبخاري أيضا: عن حذيفة رأى رجلا لا يتم ركوعه، ولا سجوده، فلما قضى صلاته قال له حذيفة: «ما صليت؟» قال: وأحسبه قال: ولو مت مت على غير سنة محمد -صلى الله عليه وسلم- اهـ.

ومثل هذه الآثار محمولة عند أهل العلم على الزجر، والوعيد في عدم إتقان أركان الصلاة، ولا تقصد بها الحقيقة التي هي الكفر المخرج عن ملة الإسلام.

قال القسطلاني في إرشاد الساري: فقال: (ما صليت) نفي للحقيقة، كقوله -عليه الصلاة والسلام- للمسيء صلاته: فإنك لم تصلّ. واستدلّ به على وجوب الطمأنينة في الركوع، والسجود، وهو مذهب مالك، والشافعي، وأبي يوسف، وأحمد، أو نفي للكمال كقوله: لا وضوء لمن لم يسم الله، وإليه ذهب أبو حنيفة، ومحمد؛ لأن الطمأنينة في الركوع، والسجود عندهما ليست فرضًا، بل واجبة. (ولو مِتَّ) على هذه الحالة، (مت على غير الفطرة التي فطر الله محمدًا -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) زاد الكشميهني، وابن عساكر: عليها، أي: على الدين. وبخه على سوء فعله؛ ليرتدع. وليس المراد أن تركه لذلك مخرج له من دين الإسلام، فهو كحديث: من ترك الصلاة فقد كفر، أي يؤدّيه التهاون بها إلى جحدها، فيكفر. أو المراد بالفطرة السُّنّة، فهو كحديث: خمس من الفطرة، ويرجحه وروده من وجه آخر بلفظ: سنة محمد. اهـ.

وقال الحافظ ابن حجر في الفتح: واستدل به على وجوب الطمأنينة في الركوع، والسجود، وعلى أن الإخلال بها مبطل للصلاة، وعلى تكفير تارك الصلاة؛ لأن ظاهره أن حذيفة نفى الإسلام عمن أخل ببعض أركانها، فيكون نفيه عمن أخل بها كلها أولى، وهذا بناء على أن المراد بالفطرة الدين، وقد أطلق الكفر على من لم يصل، كما رواه مسلم، وهو إما على حقيقته عند قوم، وإما على المبالغة في الزجر عند آخرين، قال الخطابي: الفطرة الملة، أو الدين قال: ويحتمل أن يكون المراد بها هنا السنة، كما جاء خمس من الفطرة... الحديث، ويكون حذيفة قد أراد توبيخ الرجل؛ ليرتدع في المستقبل، ويرجحه وروده من وجه آخر بلفظ سنة محمد؛ كما سيأتي بعد عشرة أبواب، وهو مصير من البخاري إلى أن الصحابي إذا قال: سنة محمد، أو فطرته كان حديثا مرفوعا، وقد خالف فيه قوم، والراجح الأول. اهـ.
والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني