الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

لا يصح قبض المحجور عليه لنفسه

السؤال

نحن إخوة أشقاء، توفيت والدتنا -رحمها الله- في حياة أبيها، وعاش أبوها بعدها أكثر من ثلاثين عامًا، وقد خصص لنا قطعة أرض زراعية في مكان متميز، وذلك أقل من ثلث ثروته بكثير -حسب ما سمعناه منه، ومن جدتي، وبعض أخوالي في حياته- ثم مات جدي -رحمه الله- ومضى على وفاته حوالي: 9 سنوات، ولم نأخذ الأرض المذكورة -ربما تساوي ملايين الجنيهات- ولم نحصل على أيّ جنيه من ريعها على مدار السنوات التسع -مائة ألف جنيه مصري تقريبًا- ولم ينكر أخوالي بعد وفاة جدي أنّ لنا حقًا، لكنّهم تعللوا بعدم توفر السيولة، ووجود مشكلات تتعلق بالأرض، وهو كذب صريح؛ إذ إنّهم أسقطونا من إعلام الوراثة عمدًا، ولم يعطونا أيّ مبلغ طول هذه السنوات، وكذلك يمنعون حق خالاتي في التركة وريعها.
ومنذ سبعة أشهر، توفي أحد إخوتي -رحمه الله- وكان عازبًا ليس له من الورثة سوى إخوته وجدته لأمه، وقد ترك مبلغًا من المال تستحق منه جدتي السدس -خمسين ألف جنيه تقريبًا- ولم نعرف أنّ لجدتي نصيبًا من الميراث إلا قبل شهرين تقريبًا، ونحن نرغب في إعطائها نصيبها من الميراث، لكنّها عجوز مريضة قعيدة، وتسكن مع أخوالي المذكورين في بيت العائلة، كما أنّنا لا نعلم إن كانت تعي ما يدور حولها أم لا، فإن ذهبنا وأعطيناها المال سيأخذه -يقينًا- أول داخل عليها بعد انصرافنا، سواء أكان من أخوالي؟ أم أزواجهم؟ أم أولادهم؟ فإنْ فعلنا ذلك فكأنّما أعطينا المال لأخوالي، لا لجدتي، ونحن نريد أن نظفر بحقنا، لا أن نعطيهم مالًا فوق ما يسرقونه منّا.
فما السبيل إلى إبراء الذمة أمام الله؟
وجزاكم الله خيرًا.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فالفصل في قضايا المنازعات محلُّهُ المحاكمُ الشرعية، أو من ينوب منابها، وذلك لأنها الأقدر على السماع من أطراف النزاع، وإدراك حقيقة الدعاوي، والبينات، والدُّفُوع، ثم إصدار الحكم المؤسس على ذلك.

وأما المفتي: فإنه لا يَسْمَع إلا من طرفٍ واحد، ولن يكون تصوره للمسألة إلا بحسب ما تُتِيْحُه طريقةُ الاستفتاء، ولذلك لا يستطيع إصدار الحكم الدقيق في مثل هذه القضايا.

ولذلك نقول على وجه العموم، لا في خصوص جواب سؤالك: إن المحجور عليه لصغر، أو سفه، أو خرف، ونحو ذلك، لا يصح قبضه لنفسه، فإن كان له حق لم تبرأ الذمة بأدائه إلا إذا قبضه عنه وليه، أو الوصي عليه، وإلا فالقاضي، أو الحاكم.

جاء في الموسوعة الفقهية الكويتية: ولاية النائب في القبض بتولية الشارع هي ولاية من يلي مال المحجور في قبض ما يستحقه المحجور، وهذه الولاية ليست بتولية المستحق؛ لانتفاء أهليته، وإنما هي بتولية الشارع باتفاق الفقهاء...

وقال ابن جزي: ويحوز للمحجور وصيه، ويحوز الوالد لولده الحر الصغير ما وهبه له هو، ما عدا الدنانير والدراهم، وما وهبه له غيره مطلقا. اهـ.

وجاء فيها أيضا: اتفق الفقهاء على أنه يشترط لصحة القبض صدوره من أهل له، غير أنهم اختلفوا فيمن يكون أهلا له، على ثلاثة أقوال: فذهب الشافعية، والحنابلة إلى أنه يشترط في صحة القبض صدوره من جائز التصرف، وهو البالغ العاقل، غير المحجور عليه. اهـ.

وقال ابن قدامة في المغني: جائز التصرف في ماله، هو الحر المكلف الرشيد، ولا يكون محجورا عليه، لصغر، أو جنون، أو سفه، أو فلس، ويعتبر ذلك في حال رهنه، وإقباضه... لأنه نوع تصرف في المال، ‌فلم ‌يصح ‌من ‌المحجور ‌عليه ‌من ‌غير ‌إذن، كالبيع. اهـ بتصرف واختصار.

وقال النووي في المجموع: قال أصحابنا: ‌كما ‌لا ‌تصح ‌من ‌الصبي ‌تصرفاته ‌القولية، لا يصح قبضه في تلك التصرفات، فلو اتهب له الولي شيئا وقبله، ثم قبضه الصبي بإذن الواهب، لم يصح قبضه، ولا يحصل له الملك فيه بهذا القبض، ولو وهب لأجنبي، وأذن الموهوب له للصبي أن يقبضه له، وأذن له الواهب في القبض، فقبضه، لم يصح بلا خلاف، ولو قال مستحق الدين لمن هو عليه: سلم حقي إلى هذا الصبي، فسلم قدر حقه إلى الصبي لم يبرأ من الدين، بلا خلاف، بل يكون ما سلمه باقيا على ملكه حتى لو ضاع، ضاع على الدافع، ولا ضمان على الصبي؛ لأن الدافع ضيعه بتسليمه، ويبقى الدين على حاله. اهـ.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني