الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

السؤال

قمت بشراء مساحة أرض زراعية كبيرة من إدارة التنمية الزراعية التابعة لوزارة الزراعة المتمثلة في الإدارة المركزية للملكية والتصرف وهذه الأرض صالحة للزراعة وفيها بئر مياه كبير حيث إنني دفعت الرسوم المطلوبة وحصلت على العقد من الجهة المختصة، فهل يحق لي بيع هذه الأرض، علما بأنها موات ولم أستصلح فيها أي شيء حتى أستفيد بهذا الثمن في أي شيء آخر؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فننبه بداية إلى أن السؤال لم يتضح لنا تماماً حيث ذكرت أن هذه الأرض صالحة للزراعة ثم ذكرت أنها موات، وعلى كل حال، فإذا كانت الدولة قد باعت لك هذه الأرض دون أن تشترط عليك زراعتها، فقد ملكتها بذلك ولك أن تتصرف فيها ببيع أو غيره سواء قمت بزراعتها أم لا.

أما إذا اشترطت عليك زراعتها، فهذا شرط ينافي مقتضى العقد، إذ أن مقتضاه أن لك أن تتصرف في هذه الأرض بما شئت من بيع أو إجارة أو زراعة، وقد اختلف أهل العلم في حكم البيع إذا كان مصحوباً بشرط ينافي مقتضى العقد، هل يبطل البيع بذلك؟ أم يصح البيع ويبطل الشرط، وقد ذكرنا أقوال أهل العلم في ذلك في الفتوى رقم: 49776.

والذي يترجح لدينا هو صحة البيع وبطلان الشرط، وقد أبان العلامة البهوتي وجه هذا الترجيح في كتابه (كشاف القناع) فقال: من الشروط الفاسدة: شرط في العقد ما ينافي مقتضاه نحو أن يشترط.... (أن لا يبيع) المبيع (ولا يهبه ولا يعتقه)... فهذا الشرط (لا يبطل البيع) لحديث عائشة رضي الله عنها قالت: جاءتني بريرة فقالت: كاتبت أهلي على تسع أواق، في كل عام أوقية فأعينيني، فقلت: إن أحب أهلك أن أعدها لهم، ويكون ولاؤك لي فعلت، فذهبت بريرة إلى أهلها فقالت لهم، فأبوا عليها، فجاءت من عندهم ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس، فقالت: إني عرضت ذلك عليهم فأبوا إلا أن يكون لهم الولاء، فسمع النبي صلى الله عليه وسلم فأخبرت عائشة النبي صلى الله عليه وسلم فقال: خذيها واشترطي لهم الولاء، فإنما الولاء لمن أعتق، ففعلت عائشة. ثم قام النبي صلى الله عليه وسلم في الناس فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: أما بعد: ما بال رجال يشترطون شروطاً ليست في كتاب الله؟ ما كان من شرط ليس في كتاب الله فهو باطل، وإن كان مائة شرط، قضاء الله أحق، ودين الله أوثق، وإنما الولاء لمن أعتق. متفق عليه، فأبطل الشرط ولم يبطل العقد.

ولكن ننبه إلى أنه إذا كان عدم الوفاء بهذا الشرط قد يترتب عليه تعريض النفس للإذلال والإهانة أو تعريض المال للهلاك والضياع- في حالة اكتشاف ذلك من قبل الدولة- فيجب الوفاء به، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: لا ينبغي للمؤمن أن يذل نفسه،قالوا: وكيف يذل نفسه؟ قال: يتعرض من البلاء لما لا يطيق. رواه الترمذي، وصححه الألباني، وقال صلى الله عليه وسلم أيضاً: إن الله كره لكم ثلاثاً: قيل وقال، وإضاعة المال، وكثرة السؤال. متفق عليه.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني