الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

الوسوسة والوقوع في أعراض الناس أثناء لصيام

السؤال

أنا سيدة مصابة بالوسواس القهري في العبادات ولا أستطيع أداء أية عبادة إلا بصعوبة ومعاناة كبيرة والحمد لله على كل حال، وأثناء قضائي لما أفطرته في رمضان لعذر شرعي يصيبني الوسواس الشديد في نية القضاء وأظل أعيد نطقها مرات ومرات بل إني أستيقظ مرات عديدة في الليل لكي أجدد النية التي أقول بأنها فسدت لمجرد رؤية أو التفكير في شيء لا يرضي الله، والذي يأتيني رغم دفعي له ومقاومته بشدة، وفي أثناء قضائي لأحد الأيام كنت أتحدث مع نفسي عن إنسانة بيني وبينها مشكل وتعرضت لعرضها بصوت مرتفع شيئا ما، وقلت لقد فسد صومي بسبب ذلك وبدأت أتساءل هل هذا يبطل نية الصوم أم لا، فقررت إتمام الصوم على أن أقضي ذلك اليوم مرة أخرى لأنه ثبت في ذهني بأن صومي قد ضاع، ومرة أخرى صعب علي الشروع في الوضوء بسبب الوساوس ثم قلت يارب إن كنت أحبك وأنت ربي وأطيعك فسأشرع في وضوئي رغم الشيطان وإن كنت أعبد الشيطان وأحبه وهو مولاي فلن أتوضأ، والله فعلت هذا فقط كي أقوي نفسي وأتمكن من الوضوء بعد أن تعسر علي ذلك، لكنني لم أتمكن من الشروع في الوضوء فقلت لقد فسد صومي لأن ذلك يعني بأن الشيطان هو ربي -أستغفر الله- وهذا يعد كفراً، وبدأت مرة أخرى أتساءل هل صومي مقبول، هل فسدت نيتي حتى قلت سأستمر في صوم هذا اليوم ثم أعيده، أرجوكم ما هو الحكم الشرعي في حالتي، وهل فسد صومي وعلي أن أقضي هذين اليومين مرة أخرى، مع العلم بأني بسبب الوسواس أجد صعوبة كبيرة في أداء كل العبادات وفي الصوم أيضا فالوساوس لا تتركني أرتاح ولا لحظة واحدة وكثيرا ما أنطق بما لا يرضي ربي عندما أكرر المحاولات لأداء العبادات ولا أستطيع، فهل هذا يبطل صومي ويسبب لي غضب الله وعقابه، مع العلم بأني أحب الله وأخافه وأتوق إلى أن أعبده بالليل والنهار وحاولت بكل ما أستطيع مقاومة الوسواس، لكنني دائما أفشل، وازدادت أحوالي سوءا خاصة أنني أخاف من عقاب الله وغضبه، لكم مني كل الإحترام والتقدير، أجاركم الله من الهم والغم ورزقكم الصبر على من هم في مثل حالي، أعرف بأنني قد أزعجكم برسائلي فمعذرة؟ وجزاكم الله خير الجزاء.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فاعلمي -أيتها الأخت الكريمة- أنه لا يجوز للمسلم أن يستسلم لهذه الوسوسة التي تعرض له في وضوئه، أو في صلاته وصيامه، أو في شيء من عبادته، لأنها من كيد الشيطان ليصرف الصالحين عن عبادتهم، ويقطعهم عما يقربهم من ربهم.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية: والوسواس يعرض لكل من توجه إلى الله تعالى بذكر أو غيره، فينبغي للعبد أن يثبت ويصبر ويلازم ما هو فيه من الذكر والصلاة، ولا يضجر، فإنه بملازمة ذلك ينصرف عند كيد الشيطان (إن كيد الشيطان كان ضعيفاً)، وكلما أراد العبد توجها إلى الله تعالى بقلبه جاء من الوساوس أمور أخرى، فإن الشيطان بمنزلة قاطع الطريق، كلما أراد العبد أن يسير إلى الله تعالى أراد قطع الطريق عليه.... انتهى.

والعلاج النافع بإذن الله تعالى هو الإعراض التام عن هذه الوساوس، وراجعي الفتوى رقم: 51601.

واعلمي -أيتها الأخت الكريمة- أنك لست مطالبة بما ذكرت أنك تفعلينه من النطق بالنية وتكرارها والقيام آخر الليل لتجديدها، بل عندما يقع في قلبك أنك ستصبحين صائمة، أو تتسحرين أو تفعلين أي فعل تريدين به الاستعانة على الصوم، فقد حصلت لك نية الصوم، ولست مطالبة بتجديدها بعد ذلك ولو فعلت أي فعل أو تكلمت بأي كلام، لأن النية إذا انعقدت فلا ترتفع إلا بقصد رفضها.

وما قلناه عن نية الصيام نقول مثله عن نية الوضوء والصلاة وسائر العبادات، ولا ينبغي أن تفكري أو تظني أنك تعبدين الشيطان، فإن جميع ما ذكرته يدل على أنك بعيدة جداً عن عبادة الشيطان، ولكن الشيطان يوسوس لك بذلك بغية ترك عبادة الله، فلا تطيعيه أبداً.

ثم إنه ليس من المباح الوقوع في أعراض الناس، وبالتالي فقد أخطأت بنيلك من عرض التي تعرضت لعرضها، وعليك أن تتوبي إلى الله من ذلك، ولكن ذلك لا يبطل الصيام، فلست -إذا- مطالبة بإعادة ذلك اليوم ولا اليوم الذي تصورت فيه أنك تعبدين الشيطان، ونسأل الله لك العافية والاستقامة.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني