الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

السؤال

رجل لديه 80000 ريال وهي وصية (وقف) مسؤول عنها، ويريدني أن أستثمر له المبلغ في الأسهم ولي نصف الأرباح فما الحكم؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فإذا كان مرادك أن هذا الرجل يعمل ناظراً لمبلغ أوقف أصله وصرف ريعه، فلا مانع من استثماره وصرف عائده لصالح من أوقف عليهم تحقيقاً لمقصود الواقف، فحقيقة الوقف هي: حبس الأصل، وتسبيل الثمرة أو الغلة، وإن شئت قلت: حبس الأصل وتسبيل ناتجه.

والأصل فيه ما روى الشيخان من حديث عبد الله بن عمر قال: أصاب عمر أرضا بخيبر فأتى النبي صلى الله عليه وسلم يستأمره فيها، فقال: يا رسول الله، إني أصبت أرضا بخيبر، لم أصب قط مالاً أنفس عندي منه، فما تأمرني به؟ قال: إن شئت حبست أصلها، وتصدقت بها، قال: فتصدق بها عمر، أنه لا يباع أصلها ولا يبتاع ولا يورث ولا يوهب.

لكن يرد هنا إشكال وهو أن الوقف: حبس الأصل وتسبيل ناتجه، والدراهم ليست كذلك فإنها تذهب عينها بالانتفاع بها مرة واحدة، لكنه يصح في الدراهم إذا وجد فيها المعنى المجوز للوقف في غيرها وهو حبس العين وتسبيل الثمرة، وذلك ممكن في الدراهم إذا شرط الواقف حبس الدراهم فلا ينفق أصلها ولا يورث وإنما ينتفع بريعها، وقد صرح بجواز وقف الدراهم جماعة من العلماء منهم زفر من أصحاب أبي حنيفة رحمهما الله تعالى، قيل له: كيف؟ قال: يدفع الدراهم مضاربة ثم يتصدق على الوجه الذي وقف عليه. انتهى.

وذكر ابن عابدين في تنقيح الفتاوى الحامدية: وفي الفتاوى الهندية من كتب الحنفية: الدراهم تقرض للفقراء ثم يقبضها، أو تدفع مضاربة ثم يتصدق بالربح. انتهى.

وقال المرداوي في الإنصاف: نقلاً عن الفائق: يصح وقف الدراهم فينتفع بها في القرض ونحوه، اختارها شيخنا، يعني به الشيخ تقي الدين (ابن تيمية) رحمه الله، وقال في الاختيارات: ولو وقف الدراهم على المحتاجين لم يكن جواز هذا بعيداً. انتهى من الإنصاف.

وما ذهب إليه زفر وأفتى به جماعة من الحنفية ويحكى عن الإمام مالك والأوزاعي كما نقله عنهما ابن قدامة في المغني واختاره شيخ الإسلام هو الراجح إن شاء الله.

وبناء على هذا؛ فلا نرى مانعاً من استثمار هذا المال الموقوف عن طريق المضاربة مع الأخ السائل نظير جزء شائع معلوم من الربح كما ذكر (النصف) بشرط أن تكون الأسهم التي سيقوم بالمضاربة فيها أسهماً يباح الاتجار فيها، وراجع في ذلك الفتوى رقم: 62946.

وراجع لمعرفة ضوابط المتاجرة في الأسهم الفتوى رقم: 1214، والفتوى رقم: 3099، والفتوى رقم: 69973.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني