الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

السؤال

توفيت والدتي إلى رحمة الله عز وجل وأود الاطمئنان على حسن خاتمتها فقد كانت رحمة الله عليها أحب الناس إلى قلبي وكانت مصلية متصدقة صابرة محتسبة على أمور عدة :
1 - توفيت يوم الجمعة.
2 - آخر أعمالها صلاة الظهر ونامت متوضئة.
3 - في خلال نومها توفاها الله وكانت خالتي ترقد بجوارها ولم تسمع لها صوتا أو صراخا أو معاناة من سكرات الموت بل سمعتها تنطق الشهادة وظنتها تسبيحا عاديا.
4 - توفيت في قريتنا التي بها مدافن العائلة رغم أننا نسكن في المدينة.
فهل هذه علامات تدل على حسن الخاتمة وتطمئننا عليها ؟ بعض الناس عندما أحكي لهم هذه الأحداث يقولون لي افرح لها فقد ماتت موتة الصالحين ؟ وهل في ذلك حسد فلا أخبر أحدا عن ذلك ؟ ماذا أفعل لأعالج حزني الشديد على فراقها ؟ ما هى الأعمال التي أستطيع إهداءها لها ؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فإن الموت يوم الجمعة ونطق الشهادة عند الموت وأداء الفريضة قبل الممات من أمارات حسن الخاتمة ، ويدل لذلك ما في حديث الحاكم : من كان آخر كلامه لا إله إلا الله دخل الجنة . وفي حديث المسند : من قال لا إله إلا الله ختم له بها دخل الجنة ، ومن صام يوما ابتغاء وجه الله ختم له به دخل الجنة ، ومن تصدق بصدقة ابتغاء وجه الله ختم له بها دخل الجنة .

وفي الحديث: ما من مسلم يموت يوم الجمعة أو ليلة الجمعة إلا وقاه الله فتنة القبر . رواه الترمذي ، وقال حديث غريب ، وقد ضعف سنده ابن حجر ، وقال الألباني في أحكام الجنائز: فالحديث بمجموع طرقه حسن أو صحيح ، وخالفه الأرناؤوط فضعفه في تحقيق المسند ، ومما يدل على أن الموت بعد العمل الصالح دليل على أن الله أراد الخير لصاحبه قول النبي صلى الله عليه وسلم : إذا أراد الله بعبد خيرا استعمله. فقيل: كيف يستعمله يا رسول الله ؟ قال: يوفقه لعمل صالح قبل الموت . رواه الإمام أحمد والترمذي وقال الترمذي: حسن صحيح ، وصححه الألباني .

وأما كلام الناس لك الذي ذكرته فعليك أن تحسن الظن بهم, وتحمله على أنهم يهنئونك بما حصل للوالدة، ولا تحمله على أنهم يحسدون.

هذا ونسأل الله لك الصبر والعزاء ونذكرك بما في الصبر من الأجر ففي صحيح مسلم من حديث صهيب أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : عجبا لأمر المؤمن, إن أمره كله خير, وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن؛ إن أصابته سراء شكر فكان خيرا له, وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له .

وفي صحيح البخاري عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : يقول الله تعالى : ما لعبدي المؤمن عندي جزاء إذا قبضت صفيه من أهل الدنيا ثم احتسبه إلا الجنة .

وفي البخاري ومسلم عن أسامة بن زيد رضي الله عنهما قال : أرسلت ابنة النبي صلى الله عليه وسلم أن ابنا لي قبض فأتنا، فأرسل يقرئ السلام ويقول : إن لله ما أخذ, وله ما أعطى, وكل شيء عنده بأجل مسمى, فلتصبر ولتحتسب .

وعن أم سلمة رضي الله عنها قالت : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ما من عبد تصيبه مصيبة فيقول : إنا لله وإنا إليه راجعون, اللهم أجرني في مصيبتي وأخلف لي خيرا منها؛ إلا آجره الله تعالى في مصيبته, وأخلف له خيرا منها. قالت : فلما مات أبو سلمة قلت : أي المسلمين خير من أبي سلمة ؟ أول بيت هاجر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم إني قلتها, فأخلف الله لي خيرا منه رسول الله صلى الله عليه وسلم . رواه مسلم .

وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال : لما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم عزتهم الملائكة يسمعون الحس ولا يرون الشخص، فقالت : السلام عليكم أهل البيت ورحمة الله وبركاته, إن في الله عزاء من كل مصبية, وخلفا من كل فائت, فبالله فثقوا, وإياه فارجوا, فإنما المحروم من حرم الثواب, والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته . رواه الحاكم وصححه ووافقه الذهبي .

وحكى أن أعرابيا عزى ابن عباس على أبيه فقال

اصبر نكن بك صابرين فإنما صبر الرعية بعد صبر الرأس

خير من العباس أجرك بعده والله خير منك للعباس

فقال ابن عباس: ما عزاني أحد أحسن من تعزيته.

ومما يعين على اكتساب الصبر استشعار عدة أمور منها :

ـ أنه سبب لتأييد الله ونصره لقوله تعالى : إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ {البقرة: 153 }

ـ أنه سبب لمحبة الله لقوله تعالى : وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ {آل عمران: 146 }

ـ أن الصابرين بشروا بثناء الله وهدايته ورحمته، قال الله تعالى : وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ {البقرة: 155 ـ 157 }

ـ أنه سبب لدخول الجنة ، كما في قوله تعالى : لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ {آل عمران: 15 } ثم ذكر صفات المتقين وذكر منها: الصابرين والصادقين والقانتين ، إلى غير ذلك من فضائل الصبر الموجودة في الوحي قرآنا وسنة ، وراجع الفتاوى التالية أرقامها : 10602 ، 33828 ، 69795 ، 3406 ،32689 .

والله أعلم .

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني