الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أحوال أداء الشهادة وكتمانها

السؤال

حدثت جريمة قتل سببها ثأر حيث قام شخصان أقرباء لي بقتل شخص قريب للقاتل الأول الذي قتل أخاهم خلال مشاجرة سابقة، وبعد حصول جريمة الثأر هرب الشخصان أقربائي واسمهم (م ) و( ح) خوفاً من الشرطة وجاءوا لبيتي من دون دعوة مني ولحظة دخولهم بيتي سألتهم ما الذي حصل قال الشخص (م) أن ابن عمهم اسمه (ص) قد أخذ بثأر أخيهم وقال انشروا الخبر بأن (ص) هو الذي نفذ الجريمة يبدو أنه كان يريد إبعاد الشبهة عن نفسه ليتملص من جريمته وإلصاقها بالشخص (ص) كون (ص) صبيا صغير السن ولا يسجن طويلاً أما الشخص (ح) أكد بأنه أجهز على المقتول وبعد نصف ساعة جاء أخوهم الكبير واسمه (س) وثلاثة من أخوالهم بعد أن عرفوا أنهم في بيتي ثم جاء أخي الكبير واسمه (ع) فقدمت لهم الشاي ثم طلبت من الشخصين اللذين أظن أنهم القتلة مغادرة بيتي خوفاً من قدوم الشرطة حيث قد شوهدوا من جيراني وبقي في البيت أخوهم (س) والذي تبين أنه لم يكن من الذين نفذوا الجريمة وعنده شهود على ذلك وبقي معه في بيتي أخواله وأولاد عمي وإخوتي فقدمت لهم طعام العشاء ثم انصرفوا، وبعد يومين من الجريمة مسكت الشرطة أخا القاتلين (س) والذي تناول طعام العشاء في بيتي وأثناء إفادته ذكر أنه تناول طعام العشاء في بيت أخي (ع) وليس في بيتي كون بيت أخي ملاصق لبيتي وذكر أنه التقى مع أخواله في بيتنا ليلة الجريمة، ولكنه أخفى لقاءه بإخوته القتلة في بيتي وأنه لا يعرف من نفذ الجريمة من إخوته، فطلب القاضي أخي ( ع) للشهادة، وطلب منه أن يقسم على كتاب الله بأن يقول الحقيقة وأثناء شهادته ذكر أخي أن ذلك الشخص بالفعل قد تناول طعام العشاء ليس في بيته وإنما في بيتي ولكنه لم يذكر للقاضي كذلك مرور القاتلين على بيتي لأن هذا الأمر سوف يعرضه للمسؤولية وقد يسجن بسبب ذلك لأنه لم يبلغ الشرطة، وسأله القاضي عن الحديث الذي دار بين ذلك الشخص (س) وأخواله وعن الاتصالات التي أجراها خلال جلوسه في بيتي وما هي أسماء الأشخاص الذين ذكرهم والذين يحتمل أن نفذوا الجريمة فأبلغه أخي بأنه ذكر خلال حديثه واتصالاته أسماء إخوته اللذين نفذا الجريمة واللذين مروا على بيتنا واسم صبيين آخرين من أقربائهم قد ذكروهم، لكنه ليس متأكدا لأنه لم ير الجريمة بعينه، ولتأكيد شهادة أخي طلب القاضي من أخي البقاء في المحكمة ثم الاتصال بي للقدوم للمحكمة وطلب مني القسم على كتاب الله بأن أقول الحقيقة وأنا لا أعلم ما هي شهادة أخي وماهي المعلومات التي أعطاها للقاضي وهددني القاضي إذا تطابقت شهادتي مع شهادة أخي لا بأس علينا، ولكن إذا اختلفت سوف نسجن نحن الاثنان وهذا سوف يضر بنا.. هنا أنا خفت فنحن موظفان وقد نتأذى ونسجن بسبب إخفاء مرور القاتلين على بيتنا، وأنا قدمت للشهادة فقط لتأكيد تناول ذلك الشخص طعام العشاء، وتفاجأت أن القاضي يريد كل معلومة أعرفها، ولكنني توقعت أن أخي لم يذكر مرور القاتلين لأن في ذلك مسؤولية عليه والقاضي لا يعرف هذه المعلومة لأن أخا القتلة (س) لم يذكر ذلك له سابقاً، فذكرت للقاضي أن بالفعل ذلك الشخص تناول العشاء مع أخواله في بيتي وبدأ القاضي يسألني من خلال شهادة أخي عن الأسماء التي ذكرها والتي يحتمل أن يكونوا القتلة وأنا أجاوبه بنعم ومن بين الأسماء التي ذكرتها أسماء هذين الشخصين بعد ذلك سمح القاضي لنا بالمغادرة لبيتنا، وكون لا يوجد شهود شاهدوا الجريمة سوى شاب قريب للمقتول كان راكب معه دراجة نارية وقد طعن ولا يعرف القتلة كونهم كانوا ملثمين وبسبب ضغط الشرطة على أقربائي قاموا بتسليم شخصين للسلطات هما: القاتل ( ح) والشخص الآخر صبي ابن أخيهم على أساس أنه ثأر لأبيه حيث سلم نفسه بدل عمه القاتل (م)، والقاتل (م) لم يذكر أمامي أنه هو الذي قتل لكن يبدو أنه كان يبعد الشبهة عن نفسه، أنا لم أر الجريمة بعيني ولست متأكداً من القتلة بالضبط سوى سماعي كلام هذين الشخصين اللذين قدما لبيتي أظن أنهم هم القتلة بالفعل والقاتل ( م) الآن مطلوب للسلطات وهي تطارده للتحقيق معه، وأنا كلما أراه طليقا أحس بالذنب كوني لم أعترف عليه بشكل صريح، ولكنني خفت من الضرر الذي قد يلحق بي وكذلك أنا لم أشاهد الجريمة وهو لم يعترف صراحة بأنه هو القاتل فالكلام الذي سمعته منه هو لصق التهمة بالصبي القريب له، فأفيدوني جزاكم الله خيراً... هل أعتبر حلفت كاذباً أم شهادتي ناقصة؟ ما هو موقف الشرع من الذي حصل معي؟ وهل علي كفارة... فأنا تبت وندمت على ذلك التقصير ولكنني خائف وأحس بتأنيب الضمير؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فالمسلم مطالب بأداء الشهادة لله تعالى فرضاً إذا طلب منه ذلك، وكان متيقناً لا يخالجه أي شك، ولم يكن هناك من يقوم بالشهادة غيره، ولم يكن يخاف على نفسه أو ماله أو عرضه أو أهله، وذلك لقول الله تعالى: وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِّنكُمْ وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ {الطلاق:2}، ولقوله تعالى: وَلاَ تَكْتُمُواْ الشَّهَادَةَ وَمَن يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ {البقرة:283}، فلا يجوز للمسلم أن يكتم شهادة الحق، ويتأكد الأمر إذا تعينت عليه أو ترتب على عدم أدائها ضياع دم المسلم أو ماله أو عرضه أو أي حق من حقوقه، إلا إذا خاف الشاهد الضرر -ظلماً- على نفسه أو بدنه أو ماله أو أهله، فلا يلزمه الأداء حينئذ؛ لقول الله تعالى: وَلاَ يُضَآرَّ كَاتِبٌ وَلاَ شَهِيدٌ {البقرة:282}، ولقول النبي صلى الله عليه وسلم: لا ضرر ولا ضرار. رواه مالك في الموطأ.

وجاء في الموسوعة الفقهية: قال بعض العلماء: لا يجب أداء الشهادة إذا كان الحاكم غير عدل، قال الإمام أحمد: كيف أشهد عند رجل غير عدل؟ لا أشهد. كما أن أداء الشهادة لا يجب إذا لم يكن المرء متيقناً لما يراد منه الإدلاء به. وقد سبق بيان ذلك بالأدلة وأقوال أهل العلم في الفتوى رقم: 67693.

وأما ما ذكرته من اليمين فإن كنت فعلته اتقاء لحوق الضرر بك ظلماً، فإن ذلك يباح لك، ولا تعد به حانثاً لكونك مكرهاً عليه، قال الشيخ خليل بن إسحاق رحمه الله تعالى يعدد أنواع الإكراه التي يرتفع معها الحنث والإثم: ... بخوف مؤلم من قتل أو ضرب أو سجن أو قيد أو صفع لذي مروءة بملإ أو قتل ولده أو لماله...

وأما إن كان الحامل عليها هو تخليص شخص أجنبي من ظلم سيلحق به، فإن الحلف حينئذ يندب، ولكن الحالف يطالب بالكفارة، قال خليل بن إسحاق بعد النص السابق: لا أجنبي، وأمر بالحلف ليسلم. قال الدسوقي معلقاً: (قوله وأمر.. إلخ) أي كما إذا قال ظالم لشخص فلان عندك وتعلم مكانه ائتني به أقتله أو آخذ منه كذا، أو إن لم تأتني به قتلت زيداً صاحبك أو أخاك، فقال ليس عندي ولا أعلم مكانه، فأحلفه الظالم على ذلك بالطلاق، (أو بيمين أخرى) والحال أن الحالف يعلم مكانه وقادر على الإتيان به لذلك الظالم، فإن الحالف لا يعذر بذلك ويحنث في يمينه، ولكن لا إثم عليه في الحلف بل أتى بمندوب فيثاب عليه. انتهى.

وهذا كله إذا كان المراد تخليصه مظلوماً، وأما إذا كان ظالماً -كما هو محتمل في هذه القصة- فإنه لا يجوز الستر عليه، ولا كتمان الشهادة، ما لم يكن الشاهد يجهل حقيقة الأمر، وأما إذا كان يجهل حقيقة الأمر فالواجب أن يخبر بما يعرفه، وإنما سمعهم يقولون كذا وكذا...

وعليه.. فالواجب أن تتوب إلى الله من اليمين التي حلفتها إذا كنت قد جانبت فيها الصواب في خبر أو كتمان شهادة، والأحوط أيضاً أن تخرج كفارة يمين، لأن بعضاً من أهل العلم يرون الكفارة في اليمين ولو كانت غموساً.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني