الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                        صفحة جزء
                                                                                        قال رحمه الله ( فإن حل الأجل وغاب الراهن أجبر الوكيل على بيعه كالوكيل بالخصومة من جهة المطلوب إذا غاب موكله أجبر عليها ) ; لأن الوكالة بالشرط في عقد الرهن صارت وصفا من أوصاف الرهن فلزمت كلزومه ولأن حق المرتهن تعلق بالبيع وفي الانتفاع إبطال حقه فيجبر عليه كما في الوكيل بالخصومة إذا غاب موكله والجامع بينها أن في الانتفاع فيهما إبطال حقهما بخلاف الوكيل بالبيع ; لأن للموكل أن يبيع بنفسه ولا يبطل حقه ، أما المدعي فلا يقدر على الدعوى على الغائب والمرتهن لا يملك البيع بنفسه . وقوله وغاب الراهن يظهر أنه قيد في جبر العدل على البيع ، وليس كذلك قال في المحيط .

                                                                                        ولو أبى العدل البيع ، وقد سلط عليه يجبره القاضي على بيعه ; لأن الوكالة صارت حق المرتهن حتى لو أراد العدل استرداد الرهن للراهن حتى يبطل الإيفاء منع من ذلك والعدل يفارق الوكيل المفرد بالبيع في أربعة أشياء قدمنا ثلاثة منها . والرابع العدل يملك المصارفة بالثمن إذا باع العين بخلاف [ ص: 295 ] جنس الدين بخلاف الوكيل المفرد ; لأن العدل مأمور بقضاء الدين فيملك المصارفة بالثمن من جنس الدين حتى يملك إيفاء الدين كما لو قال لآخر اقض ديني من داري كان مأمورا ببيع الدار وبإيفاء الدين من ثمنها وكل العدل ببيع الرهن وكيلا فباع جاز إن كان حاضرا ، وإن كان غائبا لم يجز إلا أن يجيزه بعد البيع كما في الوكيل المفرد على ما مر ، وكذلك لو قدر العدل للوكيل ثمنا جاز مطلقا ، وقيل هو على التفصيل الذي ذكرنا ، وقيل فيه روايتان في رواية الوكالة أنه لا يجوز إلا أن يبيع بحضرته أو بإجازته ، وفي رواية الكتاب يجوز مطلقا ; لأن هذا بيع حضره رأي الأول ; لأن الرأي إنما يحتاج إليه من الأول لتقدير الثمن ; لأن ثمن الشيء لا يعرف إلا برأي ، فإذا قدر الأول الثمن ، وقد باع الثاني بذلك المقدار فقد حضر رأي الأول ، وإن لم ينعقد بعبارته والشرط أن يكون برأيه ونطقه فصار كما لو باع بحضرته .

                                                                                        وجه رواية الوكالة أن هذا بيع لم يحضره الأول ; لأن رأي الأول بالثمن الذي قدر تعلق بعدم العلم برغبة المشتري في الزيادة في ثمن المبيع وبعدم زيادة رواج السلعة ; لأن الأول متى علم من المشترى الرغبة في المبيع بالزيادة على الثمن المذكور لا يجبره في ذلك فيكون في ذلك احتمال فلا يثبت رأي الأول بالشك والاحتمال بخلاف ما لو أجاز ، فإن الثاني لا يصير مؤتمنا حال غيبة الأول ضرورة صحة الإجازة ، فإنه لا بد من الحكم بصحة الإجازة إذا حصلت الإجازة ممن يملك الإنشاء وائتمان الأجنبي يثبت حالة الضرورة كالمودع إذا دفع الوديعة إلى الأجنبي حالة الخوف والفرق جاز ، وفي غير هؤلاء لو صار الثاني مؤتمنا ، فإنما يصير مؤتمنا ضرورة صحة التوكيل ولا ضرورة إلى الحكم بصحة التوكيل ; لأنه ليس إنشاء عقد ولا إجارة ، وائتمان الأجنبي من غير ضرورة ولا يجوز فكانت هذه الرواية أصح باعه فأجازه الراهن والمرتهن وأبى العدل جاز ، ولو أجاز أحدهما دون الآخر لم يجز ; لأن الحق لهما لا يعد وهما ; لأن الملك للراهن والحق للمرتهن فيشترط اجتماعهما على الإجازة ، فإذا أجاز جاز وكان ذلك إخراجا للعدل عن الوكالة وتوكيلا للآخر بالبيع ولهما ذلك كما لو كان للراهن أرض خراج أو عشر وأخذ الخراج والعشر من الراهن لا يرجع في ثمنه ; لأن الراهن صار قاضيا حقا واجبا عليه فلا يرجع به في حال تعلق به حق غيره .

                                                                                        وإن أخذ ذلك من الثمرة أو الغلة لا يبطل شيئا من الرهن ; لأن هلاك الزيادة من العين لا يسقط شيئا من الثمن ويكون ذلك محسوبا على الراهن ولأنه لو لم يستحق شيئا من العين ، فإن لصاحب الأرض أن يعطي الخراج من مال آخر فلم يصر شيء من الدين مستحقا إلا إذا أخذه السلطان بغير حق ، فإنه يسقط من الدين بقدره ; لأنه غصب منه فصار كما لو هلك بعض الرهن في يده ، ولو كان الراهن مفلسا والرهن في يد العدل فاستحق العبد فدفع العدل البدل وأبقاه في يده يبيعه ويستوفي ثمنه وهو أحق به من المرتهن ; لأن حقهما تعلق بالعبد في وقت واحد ; لأن حق المرتهن فيما تحول من العبد إلى ثمنه بالبيع وإنما يتعلق بالعبد ثانيا بعد الرد وحق العدل تعلق بالعبد في هذا الوقت فقد استوفيا الحقين في وقت تعلق الحق ترجح دين العدل لتعلقه بالعبد ; لأنه وجب بسبب هذا العبد ودين المرتهن لم يجب بسبب هذا العبد فصار العدل أولى كدين العبد مع دين المولى فيكون دين العبد أحق وصار كما لو دفع العدل الثمن إلى المرتهن ، ثم رد عليه بالعيب فيسترد الثمن منه فكذا هذا باع العدل بيعا فاسدا لا يضمن كالوكيل المفرد ومعنى الإجبار أن يحبسه القاضي أياما ليبيع ، فإن لج بعد الحبس أياما فالقاضي يبيعه عليه ، وهذا على أصلهما ظاهر .

                                                                                        وأما على أصل أبي حنيفة فكذلك عند البعض ; لأنه تعين جهة لقضاء الدين ولأن بيع الرهن صار مستحقا للمرتهن بخلاف سائر المواضع ، وقيل لا يبيع القاضي عنده كما لا يبيع المديون عنده لقضاء الدين ، ثم إذا أجبر على البيع وباع لا يفسد هذا البيع بهذا الإجبار ; لأن الإجبار وقع على قضاء الدين بأي طريق شاء حتى لو قضاه بغيره صح وإنما البيع طريق من طرقه ولأنه إجبار لحق وبمثله لا يكون مكرها فلا يفسد إجباره به ، ولو لم يكن التوكيل مشروطا في عقد الرهن وإنما شرطاه بعده قيل لا يجبر ; لأن التوكيل لم يصر وصفا من أوصاف الرهن فكانت مفردة كسائر الوكالات ، وقيل يجبر كي يؤدي حقه ، وهذا أصح حتى روي عن أبي يوسف أن الجواب في الفصلين واحد في أنه يجبر على القول قضاء ، وذكر محمد في الجامع الصغير والأصل الإجبار مطلقا من غير تفصيل من أن تكون الوكالة مشروطة فيه يدل على ذلك فلو باع العدل خرج من أن يكون رهنا [ ص: 296 ] والثمن قائم مقامه فيكون رهنا مكانه وأن يقبضه بعد لقيامه مقام ما كان مقبوضا بجهة الرهن ، فإذا توى كان من مال المرتهن لبقاء عقد الرهن في الثمن لقيامه مقام المبيع المرهون ، وكذلك إذا قتل العبد الرهن وغرم القاتل قيمته ; لأن المالك يستحقه من حيث المالية ، وإن كان بدل الدم فأخذ حكم ضمان المال في حق المستحق فبقي عقد الرهن فيه ، وكذلك لو قتله عبده فدفع به لكونه قائما مقام الأول لحما ودما فيكون رهنا مكانه .

                                                                                        التالي السابق


                                                                                        الخدمات العلمية