الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                        فصل [في حكم هلاك رأس المال بيد بائعه قبل أن يسلمه]

                                                                                                                                                                                        وإذا هلك رأس مال السلم بيد بائعه قبل أن يسلمه، أو ادعى ذلك فإنه لا يخلو بقاؤه في يده من أربعة أوجه:

                                                                                                                                                                                        إما أن يكون ذلك بعد أن أمكنه من قبضه، أو لم يمكنه منه وكان محبوسا للإشهاد، أو لأنه استثنى بعض منافعه، أو لم يمكنه ولم يمنعه وكان حين العقد حاضرا بين أيديهما أو غائبا عنهما.

                                                                                                                                                                                        فإن كان حاضرا ومكنه منه ثم تركه مشتريه عنده، كان على أحكام الوديعة، فإن ادعى بائعه تلفه أو أن أحدا غصبه إياه أو استهلكه كان القول قوله، ويحلف إن كان ممن يتهم أنه كذب في قوله ذلك والسلم على حاله.

                                                                                                                                                                                        وإن منعه منه حتى يشهد وهو مما يغاب عليه لم يصدق، وإن أمكنه من الرقاب وبقي لمنافع استثناها منه صدق.

                                                                                                                                                                                        وإن لم يمنعه ولا مكنه وكان حاضرا بين أيديهما ومضى وتركه كان على حكم الإيداع؛ لأنه لم يكن له حبسه لا كان الثمن إلى أجل بخلاف البيع على النقد.

                                                                                                                                                                                        وإن كان غائبا عنهما لم يصدق إلا أن تقوم البينة على تلافه.

                                                                                                                                                                                        ثم يختلف فيه إذا كان غائبا أو حاضرا محبوسا في الإشهاد هل تكون مصيبته من بائعه أو مشتريه؟ وذلك مبين في كتاب العيوب. [ ص: 2946 ]

                                                                                                                                                                                        ويفترق الجواب إذا لم تقم البينة على هلاكه، أو علم أن ذلك من سبب البائع؛ لأنه باعه من غيره أو وهبه أو أحرقه.

                                                                                                                                                                                        فقال ابن القاسم: إن ادعى ضياعه انفسخ السلم.

                                                                                                                                                                                        وقال محمد: المسلم إليه باختيار إن شاء فسخ عن نفسه السلم، وإن شاء ألزمه قيمته، أحب أو كره، وكان الفسخ على حاله؛ لأنه يتهم في حبسه.

                                                                                                                                                                                        قال: وإن تعدى وباعه من غيره وغاب به مشتريه كان المسلم إليه بالخيار في وجهين: إن شاء أخذ الثمن الذي باعه به، وإن شاء أغرمه القيمة ما بلغت، ويكون عليه الفسخ في الوجهين جميعا، ولا ينفسخ السلم، ولو تراضيا جميعا لم يجز، قال: وإن أحرقه كانت عليه قيمته لا يصلح فيه غير ذلك، فلم ير للمسلم إليه أن يفسخ السلم عن نفسه إذا أحرقه، خيفة أن يكون قد اختار أخذ القيمة، فلا يجوز له أن ينتقل إلى الفسخ، فتكون إقالة على غير رأس المال.

                                                                                                                                                                                        وكذلك إذا باعه لم ير له أن يفسخ السلم، خيفة أن يكون قد اختار إجازة البيع أو التضمين وأخذ القيمة، فيكون إقالة على غير رأس المال.

                                                                                                                                                                                        ويلزم مثل ذلك إذا ادعى ضياعه، لإمكان أن يكون قد اختار أخذ [ ص: 2947 ] القيمة، فتكون إقالة على غير رأس المال؛ لأنه حمل عليه أنه حبسه وحال بينه وبين قبضه، فصار كالغاصب له، فلهذا جعل له أن يأخذه بالقيمة، وإذا كان كذلك صارت إقالة على غير رأس المال منهما، وإن كان موجودا عند المسلم إليه لما لم يمكنه منه، وإنما تكون إقالة على رأس المال لو مكنه منه، ولم يوجب له أخذ القيمة، ولا يلزم ذلك ابن القاسم؛ لأنه لم يجعل له أخذ القيمة، وإنما رأى له أن يفسخ السلم من غير خيار، لإمكان أن يكون قد ضاع وأنه الصادق في قوله. [ ص: 2948 ]

                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية