الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                        باب فيمن باع طعاما فأخذ عن ثمنه طعاما أو أقرض طعاما أو أسلم فيه فأخذ غيره

                                                                                                                                                                                        ومن باع طعاما، ثم أخذ عن ثمنه طعاما، فإن كان المبيع سمراء فأخذ عن ثمنها سمراء مثلها في الكيل والجودة، جاز ذلك، وتكون إقالة، وإن كان الثاني أكثر كيلا أو أفضل صفة، لم يجز؛ لأنهما يتهمان أن يكونا عملا على ذلك، فيدخله سلف بزيادة.

                                                                                                                                                                                        وإن كان الثاني أدنى صفة وأكثر كيلا لم يجز أيضا؛ لأنه ربا ترك فضل الأول لمكان كثرة كيل الثاني.

                                                                                                                                                                                        وإن كان الثاني أدنى في الكيل أو في الصفة أو فيهما جميعا في الكيل والصفة كان فيهما قولان: المنع، والإجازة والجواز أحسن.

                                                                                                                                                                                        وليس يتهم الناس في الغالب فيما يجر إلى وضيعة، وإنما التهمة فيما يجر إلى زيادة، إلا أن يكون هناك دليل على التهمة، مثل أن يكون زمن خوف، أو كان يخاف عليه الفساد، وهو في وقت ليس بيعه فيه من حسن النظر، لما يرجى من نفاقه في المستقبل، فيتهمان على ضمان بجعل، إلا أن يكون الآخر تافها يسيرا، وإن أخذ محمولة، وكان المبيع الأول سمراء، وكان الثاني أكثر كيلا لم يجز، واختلف إذا كانت مثل كيل الأول فأدنى:

                                                                                                                                                                                        فرأى ابن القاسم مرة في كتاب الصرف أنهما مما تختلف فيه الأغراض، [ ص: 2949 ] فيمنع التفاضل إن أخذ أدنى، وإن أخذ مثل الكيل دخله بيع الطعام بالطعام ليس يدا بيد، ورأى مرة أن المحمولة أدنى، فعلى هذا يختلف هل يتهمان على ضمان بجعل؟ وأن يجوز أحسن.

                                                                                                                                                                                        وقد تقدم أن التهمة إنما تكون فيما جر إلى منفعة ليس إلى خسارة، وإن أخذ تمرا أو قطنية لم يجز، هذا هو المعروف من قوله، والجواب فيها يجري على القول في بيوع الآجال:

                                                                                                                                                                                        فأجاز ابن القاسم في المدونة لمن باع ثوبا بدراهم إلى أجل أن يشتريه بدنانير نقدا إذا كانت الدنانير أقل من الأولى بالشيء البين.

                                                                                                                                                                                        وأجاز ابن القاسم وعبد الملك في المجموعة إذا كانت الدنانير مثل صرف الدراهم بالنقد يوم البيع الأول؛ لأنه يحسن الصبر، وجعل التهمة فيما يعود بزيادة.

                                                                                                                                                                                        فعلى أصل قوله في المدونة ينظر إلى ثمن الذي أخذ أخيرا فإن كان أقل من الثمن الأول بالشيء البين جاز؛ لأنه لا يتهم أن يبيع ما قيمته يوم البيع دينار ليأخذ مثل نصف قيمته إلى أجل.

                                                                                                                                                                                        وعلى قوله في المجموعة يجوز إذا كانت قيمة الطعام الثاني مثل قيمة [ ص: 2950 ] الطعام الأول يوم وقع البيع، والمراعاة في قيمة الطعامين يوم البيع الأول، فإن كان في قيمة الثاني ذلك اليوم فضل منع، وإن نزلت سوقه الآن، وإن اقتضى بعض الثمن ثم أخذ عن البقية طعاما منع، كان الطعام المأخوذ الآن سمراء أو محمولة أو تمرا، أو غير ذلك، ويدخله إذا كان الآخر مثل الأول بيع وسلف، وإن كان أجود أو أدنى - التفاضل، وإن كان من غير صنف- الطعام بالطعام إلى أجل، إلا أن يكون الذي اقتضى من الثمن الشيء اليسير، فيجري الجواب فيه على ما تقدم إذا لم يقبض شيئا، وكذلك إذا كان الباقي من الثمن الشيء اليسير، وتضعف التهمة حينئذ في بيع وسلف.

                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية