الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                        [ ص: 3433 ] باب ما يجوز حبسه وما يمنع

                                                                                                                                                                                        الحبس ثلاثة: الأرض وما يتعلق بها كالديار والحوانيت والحوائط والمساجد والمصانع والآبار والقناطر والمقابر والطرق.

                                                                                                                                                                                        والثاني: الحيوان كالعبيد والخيل وغيرها.

                                                                                                                                                                                        والثالث: السلاح والدروع والثياب.

                                                                                                                                                                                        فيجوز تحبيس الصنف الأول وهو الأرض، وما ذكر معها، واختلف في الحيوان والثياب على أربعة أقوال، فأجازه ابن القاسم في المدونة ، وذكر أبو الحسن ابن القصار ، وأبو محمد عبد الوهاب في ذلك قولين: الجواز والمنع ، وقال: من أصحابنا من يقول "يجوز في الخيل"، وإنما الخلاف في غيرها، يريد: في العبيد والثياب.

                                                                                                                                                                                        وقال ابن القاسم في كتاب محمد : استثقل مالك حبس الحيوان، وقال في رجل حبس غلاما على رجل وعقبه: أكرهه; لأنه ضيق على العبد ، يريد: لما كان يرجى له من العتق، وظاهر هذا أنه يكره في العبيد والإماء دون غيرهما.

                                                                                                                                                                                        وأرى أن يجوز الحبس في جميع ذلك، والأصل في حبس الأرض وما يتعلق بها قول النبي - صلى الله عليه وسلم - لعمر لأرض صارت له من خيبر : إن شئت حبست أصلها وتصدقت بها غير أنها لا يباع أصلها ولا تورث ولا توهب ، فتصدق بها عمر في الفقراء والغرباء، وفي الرقاب، وفي سبيل الله وابن السبيل، [ ص: 3434 ] والضيف، لا جناح على من وليها أن يأكل منها بالمعروف ويطعم صديقا غير متمول فيه، أخرجه البخاري ومسلم .

                                                                                                                                                                                        وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: من يشتري بئر رومة فيجعل دلوه فيه مع المسلمين بخير له منها في الجنة فاشتراها عثمان وجعلها للمسلمين، وقال: من يشتري بقعة بئر فلان بخير له منها في الجنة ، فاشتراها عثمان وزادها في المسجد، رواهما مسلم ، وقد وقف عمر وعثمان وعلي وطلحة والزبير وزيد بن ثابت وعمرو بن العاص ، وزيد بن عبد الله ، وابن عمر ، وذكر لمالك قول شريح : لا حبس على فرائض الله، فقال: تكلم شريح في بلده ولم يقدم المدينة فيرى أحباس الصحابة - رضي الله عنهم - وأزواج النبي - صلى الله عليه وسلم -، وهذه أوقاف النبي - صلى الله عليه وسلم - سبع حوائط .

                                                                                                                                                                                        والأصل في تحبيس ما سوى الأرضين قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: من حبس فرسا في سبيل الله إيمانا بالله وتصديقا لوعده، فإن شبعه وريه في ميزانه يوم القيامة ، أخرجه البخاري ، وقال في خالد : قال: حبس أدراعه وعبيده في سبيل [ ص: 3435 ] الله ، أخرجه البخاري ومسلم ، وقال: إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث: علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له أو صدقة جارية ، يريد: الحبس; لأن معنى الحبس: حبس الرقاب عن البيع وتصرف منافعه فيما وقف له، فكان الحكم المساواة في ذلك بين الرباع وغيرها.

                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية