الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                        [ ص: 3436 ] باب في بيع الحبس إذ انقطعت منفعته

                                                                                                                                                                                        وإذا انقطعت منفعة الحبس وعاد بقاؤه ضررا جاز بيعه، وإن لم يكن ضررا ورجي أن تعود منفعته لم يجز بيعه. واختلف إذا لم يكن ضرر ولا رجا منفعته، فأجاز ابن القاسم وربيعة البيع ومنعه غيره، فقال مالك فيما ضعف من الدواب حتى صار لا قوة فيه للغزو أو كلب أو خبث: يباع، ويجعل ثمنها في غيره من الخيل، قال ابن القاسم: فإن لم يكن في ثمنه ما يشترى به فرس أو هجين أعين به في فرس. وقال في الثياب: إن لم يكن فيها منفعة بيعت واشتري بقيمتها ثياب، فإن لم يكن في الثمن ما ينتفع به فرق في السبيل .

                                                                                                                                                                                        وقال مالك في كتاب محمد: لا تباع الدور والأرضون، وإن خربت وصارت عرصة وقد كان البيع أمثل . وقال ربيعة في المساكن تخرب فلا يكون على وليها أن يصلحها فعسى أن يرى الإمام بيع ذلك ويجعل ثمنه في مثله . قال سحنون وقال غير مالك: ما جعل في سبيل الله -عز وجل- من العبيد والثياب لا يباع . وقال مالك في كتاب ابن حبيب في الدور المحبسة حول مسجد النبي - صلى الله عليه وسلم - حين زيد فيه: لم يكن بد أن تهدم تلك الدور .

                                                                                                                                                                                        وقال ابن حبيب في العبد إن أحدث فسادا أو إباقا: بيع وجعل ثمنه في [ ص: 3437 ] مثله . وقال أشهب في المجموعة في الرقيق المحبس في السبيل: إن فضل عن عيشهم شيء فرق على فقراء ذلك الثغر، فإن فضل عنهم ففي أقرب الثغور منهم، وإن لم يكن في غلتهم فضل عن عيشهم لم يباعوا ما قام سوادهم بما يؤاجرون به، فإن انقطع ذلك وخيف هلاكهم بيعوا وقسمت أثمانهم في السبيل، فإن رأى أن يشترى بأثمانهم سلاح أو خيل فعل . وقوله: "لا يباعوا ما قام سوادهم بإجارتهم" أصلح إذا كان ذلك لكساد تلك الصفقة أو لغلاء سعر ورجاء أن تعود لهم منفعة، وإن كان ذلك لأنهم أسنوا أو لغير ذلك مما لا يرجى لهم منفعة بيعوا على قول مالك وابن القاسم.

                                                                                                                                                                                        وأما الفرس يكلب فلا ينتفع به، وإن كان يعلف بيع ; لأن بقاءه ضرر على بيت المال أو على ذلك الثغر، فإن كان في الرعي ولا يعلف جرى بيعه على القولين، ولا يباع ما خرب من الرباع إذا كان بالمدينة لأنه لا يؤمن من إصلاحه وقد يقوم محتسب لله -عز وجل- فيصلحه، وإن كان على عقب فقد يستغني بعضهم فيصلحه.

                                                                                                                                                                                        وما بعد من العمران ولم يرج صلاحه جرى على القولين، والذي آخذ به في الرباع منع البيع لئلا يتذرع إلى بيع الأحباس.

                                                                                                                                                                                        ومن تعدى على حبس فقطع النخل أو هدم الدار أو قتل العبد والفرس [ ص: 3438 ] أو أفسد الثوب أغرم قيمة ما أفسد، فإن كان الحبس في السبيل أو على الفقراء أو المساكين جعل ما أخذ عن هدم أو قطع نخل في بناء تلك الدار وغراسة مثل تلك النخل، وفي مثل ذلك العبد والفرس والثوب، وعلى قول أشهب يصرف فيما يرى أنه أفضل .

                                                                                                                                                                                        ويختلف إذا كان الحبس على معين هل يسقط حقه فيما هلك أو يعود حقه في تلك القيمة، فقال محمد فيمن أوصي له بغلة دار أو سكناها فهدمها إنسان، فإن هدمها في حياة الموصي وهو يخرج من الثلث غرم الهادم ما بين القيمتين فيورث عنه وتكون الأرض على حالها فيما وصى به، فإن هدمها بعد موت الموصي بني به تلك الدار، فإن أتى في بنائها على ما كانت عليه أو أقل يكون ذلك للموصى له به ، وكذلك إن كان حائطا فقطع نخله أو شجره.

                                                                                                                                                                                        وفي كتاب الجنايات من المدونة فيمن أوصي له بعبد فقتل فلا شيء له من قيمته ، وعلى قول محمد يشترى له من القيمة مثل الأول. [ ص: 3439 ]

                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية