الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                        باب فيمن أوصى بوصية وقال : أخبرت بها فلانا فصدقوه ، أو قال : جعلت له أن يجعلها حيث رأى ، أو قال : من ادعى علي بدين كذا وكذا ، فصدقوه

                                                                                                                                                                                        وقال مالك في كتاب محمد فيمن قال عند موته : وصيتي عند فلان ، واشهدوا علي بذلك فأخرج فلان وصيته بعد موته وفيها عتق وغيره : فهي جائزة ، وإن كتب نسختين وجعلهما عند رجلين كان أبين ، وقال أيضا : إن أخرجها ولا بينة فيها ، وإنما البينة على قوله ، فإن كان الذي هي بيده عدلا جازت ، قال سحنون : وكذلك إن كان غير عدل . وهو أحسن; لأن الميت أمر أن يصدق مع علمه بحاله ، ولأنا على يقين أنه مات عن وصية وأمر أن تنفذ ، فإذا لم يقبل قوله إذا كان غير عدل بطلت وصيته ، وإن قال : وصيت بثلثي لرجل وأعلمت به فلانا فصدقوه صدق فلان فيما يقول إنه أوصى له به ، إلا أن يكون لمن يتهم عليه مثل أن يقول : أوصى به لولدي أو ما أشبه ذلك ، فقال مالك : لا يصدق إلا أن يرى لذلك وجه يعرف به صواب قوله . وقال أشهب : يقبل قوله ، وإن قال : يجعله حيث يرى ، فجعله لنفسه أو لابنه لم يجز . قال في كتاب محمد : ولو أعطى ابنه أو أقاربه كما يعطي الناس حسب [ ص: 3577 ] الاستحقاق جاز ، ولا بأس أن يعطي أقارب الميت كما يعطي الناس ، قال : وإن كان المتولي محتاجا ، فلا يأخذ منه ، قال أشهب : فإن فعل وأخذ حسب استحقاقه لم آخذه منه ، وقاله ابن القاسم ، والأول أحسن ، وحماية ذلك أولى وإن جعل إنفاذ ثلثه لرجل يجعله حيث أراه الله -عز وجل- فهلك قبل أن ينفذ ذلك فليأمر القاضي من يرضاه فيضعه حيث يرى .

                                                                                                                                                                                        وقال ابن القاسم فيمن قال : كنت أعامل فلانا وفلانا فما ادعوا علي فصدقوهم ، فليعطوا ما ادعوا بغير يمين ما لم يدعوا ما لا يشبه .

                                                                                                                                                                                        وقال في العتبية فيمن قال عند موته : ما شهد به على أبي من دين فهو مصدق إنه كالشاهد إن كان عدلا ، وإن لم يكن عدلا أو نكل المشهود له عن اليمين فلا شيء له إلا قدر نصيبه .

                                                                                                                                                                                        وقال أصبغ في كتاب ابن حبيب : يصدق وإن لم يكن عدلا ، وقال مالك فيمن قال : من ادعى علي من دينار إلى عشرين فاقضوه بغير بينة ، فذلك جائز ، فإن ادعى جماعة كل واحد بأقل من عشرين تحاصوا في عشرين فقط .

                                                                                                                                                                                        قال ابن القاسم : لأن مخرج قوله على وجه التفرقة من ادعى من ها هنا وها هنا ، وإن ادعى واحد أكثر من عشرين لم يكن له شيء .

                                                                                                                                                                                        واختلف إذا ادعى واحد عشرين ، فقال مالك : يحاص ، وقال ذلك ابن القاسم مرة : يحاص ، وقال أيضا : لا يحاص من ادعى عشرين ، ولا يعجل في [ ص: 3578 ] ذلك وليكتم ولا يفش وتخرج العشرون من رأس المال ، وأما إن قال : من ادعى علي دينا فحلفوه وأعطوه فهذا يكون من الثلث بخلاف الذي وقت العشرين فكأنه أقر بعشرين لا يدري لمن هي ، وإن قال : كل من ادعى علي من دينار إلى عشرين فاقضوه مع يمينه بغير بينة ، فهذا من الثلث بخلاف المسألة الأولى ; لأن ذلك وقت عشرين واحدة لا يدري لمن هي ، وهذا لم يؤقت ، فإن استغرقوا ثلثه بمثل هذه الدعوة أخذوه . [ ص: 3579 ]

                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية