الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                        باب فيمن أوصى لعبده أو لعبد وارثه

                                                                                                                                                                                        وصية الميت لعبده على أربعة أوجه : إما أن يوصي له بجزء من ماله ، أو بدنانير ، أو بعرض ، أو يجمع الوصية بجزء وغيره ، أو بمنافع سكنى دار أو خدمة عبد . فإن أوصى له فقال : له ثلث مالي كان ثلث العبد عتيقا; لأن مقتضى الوصية أن له الثلث من كل شيء من العبد وغيره فيعتق ثلثه بالوصية .

                                                                                                                                                                                        واختلف في عتق الثلثين ، فقال مالك : يستكمل عتق العبد في بقية الثلث ، وجعل الاستكمال على العبد لا على السيد ، فقال : لأن العبد بين الرجلين إذا أعتق أحدهما نصيبه استكمل عليه فالعبد في نفسه أحرى أن يستكمل ما بقي منه على نفسه .

                                                                                                                                                                                        قال ابن القاسم بها كتاب ابن سحنون : وإن كان معه وصية لأجنبي بالثلث تحاصا ، قال : ولا يبدأ بالعبد لأنه إنما أعتق على نفسه . وقال المغيرة وعبد الملك ابن الماجشون : يعتق ثلث العبد ولا يستكمل . ورأيا أن العتق من الميت ولا يستكمل على ميت ، وقال المغيرة : فإن كانت معه وصية بمال بدئ بثلث العبد ، فإن فضل عن ثلثه شيء حاص به أهل الوصايا ، وقال ابن [ ص: 3583 ] الماجشون : يبدأ إلى منتهى عتقه ثم يكون مع الوصايا حصاصا .

                                                                                                                                                                                        واختلف بعد القول بالاستكمال في ماذا يستكمل؟ فقال مالك : يستكمل في بقية الثلث ولا يستكمل في ما في يديه من غير الوصية ، وقال ابن القاسم : يستكمل في ما في يديه ، قال : ولو لم يستكمل في ما في يديه لم يستكمل في بقية الثلث ، وعلى هذا يجري الجواب إذا أوصى له بسدس ماله ، يعتق سدس العبد ، ثم يختلف هل يستكمل خمسة أسداسه؟

                                                                                                                                                                                        فأما من قال : إنه يستكمل على العبد فلا يصح إلا أن يقول العبد بالخيار بين القبول والترك ، وإن قبل كان الورثة بالخيار بين أن يعتقوا أو يقوموا ، وعلى هذا يصح قول ابن القاسم إنه لا يبدى ، وقول مالك ألا يستكمل فيما في يديه أبين; لأن ثلثي ما في يديه للورثة ، وإنما يصح الاستكمال أن يدفع إليهم القيمة من غير ماله ولهذا فرق في القول الآخر ، ورأى أن يستكمل فيما وصى له به; لأنه لم يتقدم لهم فيها شرك ، وإن أوصى له بدنانير أو بثوب أو بعبد والثلث يحمله جاز وأخذ وصيته ولم يعتق منه شيء ، ويختلف إذا لم يحمله الثلث ولم يجز الورثة ، فعلى القول إنه يقطع بالثلث في عين الموصى به لا يعتق منه شيء .

                                                                                                                                                                                        وعلى القول إنه يقطع بالثلث شائعا يعود الجواب إلى الأول . ولو وصى له بثلثه ، وأوصى بجزء وبثوب أو عبد وحمل ذلك ثلثه مثل أن يوصي له بسدس ماله وبعبد هو تمام ثلثه ، فإنه يعتق سدسه بوصية الميت ثم [ ص: 3584 ] يختلف في الاستكمال ، وفي ماذا يستكمل؟ هل في جميع ما في يديه وفيما وصى له به أو فيما وصى له به فقط؟

                                                                                                                                                                                        وقال ابن القاسم وأشهب في كتاب ابن المواز في الخامس من العتق فيمن أوصى لعبده بمال : لم يكن ذلك عتقا ودفع إليه ذلك إن خرج من الثلث أو ما خرج منه ، وإن أوصى له بشيء معين يستوعب ثلث الميت سوى ثمن العبد ، فكذلك لا يعتق منه شيء ، وإن كان مما لا يقطع له فيه بعينه مثل السكنى فلا تخرج الدار من الثلث ولم يسلموا كما أوصى الميت ، قطع للعبد بالثلث من كل شيء فحينئذ يملك العبد من نفسه جزءا فيعتق كله من الثلث .

                                                                                                                                                                                        ومن أوصى لعبده بربع نفسه وثلث ما بقي سوى العبد أعتق من العبد ربعه وأعطى وصيته مالا ، ولو قال : وثلث ما بقي ولم يقل مما سوى العبد ، أعتق كله في الثلث .

                                                                                                                                                                                        وقال مالك فيمن أوصى لعبده بخمسين دينارا ولا مال له غيره ، فقال الورثة : نبيعك ونعطيك ثلث ثمنك ، فقال : يعتق من العبد قدر الخمسين أو ما خرج منها .

                                                                                                                                                                                        وقال ابن القاسم فيمن قال : بيعوا عبدي وأعطوه ثمن نفسه أو من ثمنه فعلى ما قال ، ولا يعتق منه شيء . قال : ومن أوصى لعبده بثلث ماله وترك دينا ليس فيه إلا شاهد كان للعبد أن يحلف مع الشاهد ولو لم يوص للعبد بالثلث ، وإنما قال : عبدي حر لم يحلف مع الشاهد . وقال ربيعة في رجل [ ص: 3585 ] أوصى لعبده ولامرأة له حرة ولأولاد له منها أحرار بثلث ماله ، قال : يعتق العبد; لأن لولده نصيبا من أبيهم وقد ملكوا بعضه فهو حر ، وما ملك العبد من نفسه حر . يريد أنه يعتق نصيب العبد ونصيب الأولاد ويرق الباقي ، وهذا الذي يقتضيه آخر جوابه ، وهو مثل قول المغيرة ، وعلى قول مالك وابن القاسم يستكمل على العبد . وإن كان الأولاد أربعة أعتق نصيبهم وهو أربعة أسداس ثلث الميت فإن كانت قيمته ثمانية عشر دينارا وللميت سواه ستة وثلاثون دينارا ، أعتق منه بالوصية دينار ، وهو نصيب العبد من نفسه وبالاستكمال ديناران فيكمل بذلك عتق سدسه . وعلى قول ابن القاسم يستكمل منه ما رق منه في الدينار وفيما بين يديه من غير وصية ، وأما نصيب الولد فإن كانوا قبلوا الوصية أعتق عليهم نصيبهم منه وهو ثلثا ثلثه ، ثم يختلف فيما بقي منه بعد ذلك رقيقا هل يستكمل عليهم إذا كان لهم مال؟ لأنهم فيه بمنزلة من أعتق شركا له في عبد وقد أعتق بعضه ، وقد تقدم في كتاب العتق الأول ذكر الاختلاف .

                                                                                                                                                                                        وهل زيادة العتق زيادة فساد؟ لأنهم إنما قبلوا ما بعضه حر فلا يستكمل على قول ابن القاسم . ويختلف إذا لم يقبل الأولاد هل يسقط نصيبه من الوصية؟ فعلى القول إنه لا يستكمل عليهم إن قبلوه لا تسقط وصيتهم ، وعلى القول إنه يستكمل عليهم تسقط; لأنهم يردون خوف الاستكمال . والزوجة في [ ص: 3586 ] نصيبها بالخيار بين أن تقبل ويفسخ النكاح ، أو لا تقبل وتبقى زوجة .

                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية