الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                        باب في عهدة السنة

                                                                                                                                                                                        عهدة السنة من ثلاثة عيوب: الجنون والجذام والبرص.

                                                                                                                                                                                        والجنون على وجهين: أحدهما: ما كان من سبب الطباع وفسادها. والثاني: ما كان من مس الجان. وأي ذلك كان فإنه يرد به، وهذا الظاهر من المذهب، وسواء كان الجنون أمرا لازما، أو يذهب المرة ويجيء المرة، كان مطبقا أو وسوسة.

                                                                                                                                                                                        واختلف إذا كان ذهاب العقل من جناية آدمي، أو أمر دخل عليه مما يعلم أنه محدث، فقال ابن القاسم: إن ضرب رأسه فذهب عقله، لا قيام في ذلك.

                                                                                                                                                                                        وقال ابن وهب: إن ذهب عقله من ضربة أو من تعد أو علاج، فهو من البائع. وقال ابن الماجشون: هو من المشتري، إلا أن يعلم أن ذهاب عقله من مس خالطه مع الضرب أو التردي.

                                                                                                                                                                                        وقول ابن القاسم أصوب؛ لأن هذه عيوب محدثة، ولا مقال للمشتري فيما حدث عنده ولم يكن أصله عند البائع، وإنما وجب الرد بهذه العيوب الثلاثة لقدمها، وتقدم ما عند البائع من فساد وتعفن فيحدث كيموسا رديئا، فيفسد عقل هذا، ويجذم هذا، ويبرص هذا. [ ص: 4448 ]

                                                                                                                                                                                        وأرى أن ذلك لا يسرع ظهوره، وإن ظهر في السنة كان دليلا على قدمه، وما حدث عن الضربة أو التردي والعلاج فخارج عن هذا. ولا أرى أن يرد لما حدث من مس الجان بحال؛ لأنه محدث وخارج عما قاله القوم: إن الرد بتلك العيوب لقدمها، إلا أن يكون هناك إجماع.

                                                                                                                                                                                        ويرد من قليل الجذام والبرص، ولا يرد من حمرة ولا من جرب وإن تسلخ؛ لأنه ليس بجذام، ولا من البهق؛ لأنه ليس ببرص.

                                                                                                                                                                                        واختلف إذا كانت بداية الجذام والبرص في السنة، واستحقاقه في السنة الثانية، فقال ابن كنانة وابن القاسم: لا يرد. وقال ابن وهب وأشهب: يرد، وأرى أن يرجع في ذلك إلى ما يقوله أهل المعرفة بالطب، فإن قالوا: لا يصح أن يكون أصله قبل البيع فتخرج السنة إلا وقد استحق، لم يرد وحمل على أنه حادث، وكذلك إن أشكل الأمر عندهم، ويصح الرد بما يحدث من الجذام والبرص في السنة الثانية أو أبعد من ذلك إذا كان ذلك بأحد أبويه؛ لأنه لا يؤمن ظهور مثله بالابن وإن بعد سنين. وإن جن في السنة ثم ذهب فيها، كان للمشتري أن يرد؛ لأنه لا تؤمن عودته. واختلف في الجذام والبرص إذا ذهب بعد ظهوره، فقال ابن القاسم: لا يرد، إلا أن يقول أهل المعرفة: لا تؤمن عودته. وقال ابن حبيب: يرد؛ لأنه لا يؤمن كالجنون. [ ص: 4449 ]

                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية