الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                        باب إذا اكترى أرضا ليزرعها فاشترط ثمرتها أو كان فيها زرع فاشترطه

                                                                                                                                                                                        قال ابن القاسم فيمن اكترى أرضا ليزرعها وفيها نبذ من نخل فاشترط ثمرتها: إن ذلك جائز إذا كان الثلث فأدنى، وإن كان أكثر من الثلث لم يجز. قال: فإن اشترطها وهي أكثر من الثلث كانت الثمرة لصاحب الأرض وعليه قيمة العمل والسقي، وله في الأرض كراء المثل بغير ثمرة.

                                                                                                                                                                                        وقد قيل في هذا الأصل: إن له قيمة العمل ما لم يجاوز قيمة الثمرة، فيكون ربها بالخيار بين أن يأخذها ويدفع أجرة العمل، أو يتبرأ منها. وهو أحسن; لأنه لم يستأجره عليها، فيكون له في ذمته الإجارة وإن كثرت وإنما عملها لنفسه، وإن لم يكن فيها فضل لم يكن عليه شيء.

                                                                                                                                                                                        وإن كانت الثلث فأدنى; جاز اشتراطها إن كان طيبها قبل أن يرفع الزرع وكانت معه في الأرض أو في موضع واحد، والأرض عليها غلق، فإن كانت في طائفة من الأرض ولا غلق عليها، لم يجز ذلك؛ لأنه لا ضرر عليه في تصرف صاحب الأرض إليها.

                                                                                                                                                                                        وكذلك عند ابن القاسم إذا اكترى أرضا وفيها زرع فاشترطه، فإن كان الثلث فأدنى وكان طيب ذلك الزرع قبل انقضاء مدة الكراء وهو في وسط تلك الأرض ومعه فيها أو في ناحية وعليها غلق، جاز ذلك، وإلا لم يجز. [ ص: 5120 ]

                                                                                                                                                                                        وإن اشترط نصف ثمر النخل أو نصف الزرع، لم يجز ذلك; لأن مضرة التصرف والدخول والخروج قائم، وإنما يجوز ذلك لرفع الضرر في مثل ذلك. والقياس ألا يجوز اشتراط الزرع وإن كان تبعا، بخلاف ثمرة النخل; لأن النخل يسقط بلحا وزهوا ورطبا وتمرا، ذلك الشأن فيه، فيتكرر لذلك دخوله وخروجه.

                                                                                                                                                                                        وكذلك إذا كان فيها بقول، فإنه يأخذه على قدر حاجته إليه، والزرع لا يسقط منه شيء وإنما يجز مرة واحدة، ولا ضرر في المرة الواحدة إلا أن تكون عادتهم افتقاده للتنقية والإصلاح.

                                                                                                                                                                                        وإذا اكترى أرضا وشرط عليه رب الأرض أن يكريها ثلاث مرات ففعل وكانت ذات بئر فانهارت، كان للمكتري أن يرجع على رب الأرض بقدر ما ينتفع به لقابل من كرائها; لأن حرثة واحدة لم يكن بد منها فلا يرجع على صاحب الأرض منها بشيء، وحرثتين هما اللتان حرثهما لأجل الشرط، ومنفعتهما لهما جميعا; لأن الزرع عن ثلاث أفضل منه عن حرثة.

                                                                                                                                                                                        فإن قيل: إنه يبقى منه نصف منفعته رجع بقيمة حرثة واحدة وكان للمكتري حرثتان، واحدة كان يحرثها من غير شرط، وواحدة من اللتين بالشرط. فإن اكتريت الأرض في هذا العام من آخر، كان الكراء شركة بينهما، لصاحب الأرض كراء أرضه على أن له فيها حرثة واحدة وللآخر قيمة حرثتين.

                                                                                                                                                                                        وإن لم تكن في هذا العام وأكريت في العام الثاني وقد ذهب بعض منفعة ذلك الحرث، كان [ ص: 5121 ] الذاهب عليهما أثلاثا، يقال: بكم تكرى هذه الأرض على أنها غير محروثة؟ فإن قيل: بدينارين. قيل: فبكم تكرى على ما فيها الآن من الحرث؟ فإن قيل: بثلاثة دنانير، كان لصاحب الأرض ثلثه وللآخر ثلثاه مما ينوبه من المسمى، وهو تسعا المسمى.

                                                                                                                                                                                        وإن بيعت وكان ذلك الحرث لا يزيد في الثمن، لم يكن للمكتري في ذلك الثمن شيء، وإن كان يزيد في الثمن، كان للمكتري من ذلك الزائد ثلثه. وإن حرثها المكتري مرة واحدة بالزريعة، كان لصاحب الأرض أن يرجع على المكتري بقدر ذلك من كراء المثل، يقال: بكم تكرى على أن تحرث مرة؟ فإن قيل: ثلاثة دنانير; قيل: فبكم تكرى على أن المكتري يحرثها ثلاثا؟ فإن قيل: بدينارين، كان لصاحب الأرض المسمى ودينار. [ ص: 5122 ]

                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية