الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                        فصل [فيما إذا تبين أنه حكم بخلاف النص أو الإجماع]

                                                                                                                                                                                        وإذا حكم القاضي في نازلة باجتهاده، ثم تبين أنها مسألة نص بالقرآن أو السنة، أو أنها مسألة إجماع، وأنه حكم بخلاف ذلك نقض الحكم، وهو وغيره من القضاة في تلك النازلة في نقض الحكم سواء.

                                                                                                                                                                                        واختلف إذا أراد ذلك القاضي أن ينتقل عن ذلك الاجتهاد إلى اجتهاد آخر، على أربعة أقوال: فقال مطرف وابن الماجشون -في كتاب ابن حبيب-: له نقضه. وهو ظاهر قول مالك في المدونة.

                                                                                                                                                                                        وقال ابن عبد الحكم: لا [ ص: 5358 ] ينقضه كان القضاء بمال أو غيره. وقال أشهب -في كتاب محمد-: إن كان القضاء بمال نقضه، وإن كان بإثبات نكاح أو فسخه لم ينقضه. وعلى هذا لا ينقضه إذا كان بإنفاذ حكم عتق أو ردة أو بحد أو قتل أثبته أو أبطله.

                                                                                                                                                                                        وقيل: أما ما كان من باب المتروكات فليس بحكم بخلاف غيره، من أن يحكم للإنسان بمال أو ما أشبه ذلك، فإن حكم بإثبات نكاح أو إثبات عتق، ثم تبين له غير ذلك، كان له أن ينقضه، ورأى أن الأول ليس بحكم; لأنه إنما وجدهما على شيء فتركهما عليه.

                                                                                                                                                                                        والقول الأول أحسن؛ لقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "إذا اجتهد الحاكم فأصاب كان له أجران، وإن اجتهد فأخطأ كان له أجر" أخرجه البخاري ومسلم.

                                                                                                                                                                                        فأطلق عليه مع وجود الاجتهاد الخطأ، وإذا كان ذلك لم يجز البقاء عليه. وبعث النبي -صلى الله عليه وسلم- سرية وقال لأميرها: "وإذا حاصرت أهل حصن فأرادوك أن تنزلهم على حكم الله، فلا تنزلهم على حكم الله، وأنزلهم على حكمك، فإنك لا تدري أتصيب حكم الله فيهم أم لا؟". وهذا إذا تبين أن الاجتهاد الأول وهم، وأنه خارج عن الأصل الذي كان ظنه منه وقاسه عليه. [ ص: 5359 ]

                                                                                                                                                                                        وأما إذا كان للأول وجه، والذي تبين له الآن أشبه، لم ينقضه. وقال سحنون: إذا كان ذلك رأيه يوم حكم لم ينقضه، وإن لم يكن ذلك رأيه وإنما وهم أو نسي ورأيه خلاف نقضه. وهذا راجع إلى قول ابن عبد الحكم، وقال مطرف -في كتاب ابن حبيب-: إذا شهد الحاكم على فسخ حكمه الأول، ولم يذكر أنه رجع عن الأول إلى ما رآه أحسن، ولا فسر أمرا فسخه به، قال: فلا أراه فسخا يفسخ به الأول إذا كان صوابا غير مختلف فيه، حتى يخلص ما يوجب فسخ الأول، أو يرجع إلى ما هو أحسن، إلا أن يقول: تبين لي أن الشهود شهدوا بزور.

                                                                                                                                                                                        وقال ابن الماجشون: إشهادهم على الفسخ يكفيه، إذا كان مأمونا ولم يقل إلا أني رجعت عن الأول، ثم هما على رأس أمرهما، ولو قال مع الفسخ: وقضيت للآخر، لم يجز قضاؤه ومضى الفسخ; لأنه لا يقضي حتى يضرب المقضي عليه الآجال والحجج. [ ص: 5360 ]

                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية