الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                        فصل [فيما إذا هلك الرهن وتصادقا على قيمة الدين ثم اختلفا في قيمة الرهن]

                                                                                                                                                                                        واختلف إذا هلك الرهن وتصادقا على أن الدين عشرة، وقال الراهن: قيمته عشرة، وقال المرتهن: قيمته خمسة، فقال مالك: القول قول المرتهن ، وهذا يؤيد ما تقدم أن الرهن يرهن في أقل من الدين وأكثر وإذا كان القول قوله لموضع الحوز.

                                                                                                                                                                                        وقال ابن عبد الحكم في كتاب ابن حبيب: القول قول المرتهن وإن أتى بما لا يشبه؛ لأن الرهن قد يؤخذ لليمين، وقال أصبغ: القول قول الراهن . وهذا يصح على القول أنه شاهد على الذمة، فإن قال المرتهن: هو في عشرة، وقال الراهن: هو في خمسة وقيمته سبعة، تحالفا وكان في سبعة، فإن ابتدأ [ ص: 5709 ] بالمرتهن، كان بالخيار بين أن يحلف أنه في عشرة، فإن نكل بعد ذلك الراهن، أخذ المرتهن عشرة بتلك اليمين، أو يحلف المرتهن أنه لم يرهن في دون سبعة، فإن نكل الراهن حلف المرتهن يمينا ثانية أنه في عشرة وأخذها، فإن ابتدأ الراهن باليمين، كان بالخيار بين أن يحلفه أنه لم يرهنه إلا في خمسة، وإن نكل بعد ذلك المرتهن دفع الراهن خمسة وأخذه، وإن شاء حلف أنه لم يرهنه في عشرة وبرئ منه، فإن نكل بعد ذلك المرتهن حلف يمينا ثانية أنه لم يرهنه إلا في خمسة وأخذه.

                                                                                                                                                                                        وإن اختلفا فيمن يبتدئ باليمين اقترعا؛ لأن المرتهن يجب أن يبتدئ الراهن باليمين، فإن نكل حلف هو يمينا واحدة وأخذ بها عشرة، والراهن يجب أن يبتدئ المرتهن باليمين، فإن نكل حلف هو يمينا واحدة وأخذ الرهن وغرم خمسة، ونكولهما كيمينهما.

                                                                                                                                                                                        وإن اختلفا في الدين وفي قيمة الرهن وقد ضاع، فقال الراهن: الدين خمسة وقيمة الرهن عشرة، وقال المرتهن: الدين عشرة وقيمة الرهن خمسة، كان القول قول الراهن ويحلف أن الدين خمسة، والقول قول المرتهن ويحلف أن قيمة الرهن خمسة، ثم لا تباعة بينهما.

                                                                                                                                                                                        وإن قال الراهن: إنه في ثلاثة، حلف ولم يكن على الراهن إلا خمسة التي حلف أنها صفة الرهن ولم يكن للراهن فيها شيء؛ لأنه لا يقبل قوله أن الدين [ ص: 5710 ] أقل منها .

                                                                                                                                                                                        وإن قال الراهن: هو في سبعة، حلفا وكان للمرتهن أن يأخذ منه دينارين بإقراره، وعلى القول الآخر لا يكون له شيء؛ لأن المرتهن لا يصدق أن الرهن أقل من الدين.

                                                                                                                                                                                        وقال ابن القاسم: ومن مات عن رهن قيمته أقل من عشرة، فقال الراهن: هو في خمسة، وقال ورثته: لا علم لنا فيما رهن فيه، كان القول قول الراهن، وهذا راجع إلى الأصل الأول أن الرهن لا يرهن في أقل من الدين وإنما يكون في قيمته إذا ادعى ذلك المرتهن، فإن لم يدع لم يغرم الآخر إلا ما أقر به؛ لأنه إنما أقر بما يشبه.

                                                                                                                                                                                        وعلى ما قال أبو محمد عبد الوهاب: لا يقبل قوله، قال محمد، قال أشهب: فإن كان الورثة صغارا حلف الراهن ودفع ما أقر به، ولم يكن له إلى الرهن سبيل حتى يكبر الصغار فيحلفوا . يريد : إذا ادعوا علما وأمكن أن يكون عندهم علم، وإلا فيمين هذا الآن تجزئ ويحلف ويأخذ رهنه. [ ص: 5711 ]

                                                                                                                                                                                        وإن هلك الرهن وجهلت صفته، كان رهنا بما رهن فيه ولم يرجع منهم أحد على صاحبه؛ لأن كل واحد منهما لا يدري هل يفضل له عند صاحبه شيء أم لا؟

                                                                                                                                                                                        وقال أشهب: القياس أن يجعل من أدنى الرهون . يريد: أدنى ما يرهن في مثل ذلك الدين.

                                                                                                                                                                                        واختلف في الوقت الذي يعتبر فيه قيمة الرهن ، فقال ابن القاسم: إنما ينظر في قيمته يوم الحكم ، فإن كانت قيمته يوم قبض عشرة ويوم الحكم عشرين، كان القول قول الراهن أنه في عشرة، وهذا صحيح على أصل مالك؛ لأن المرتهن قدم لأجل الحوز وإن كان يشبه أن يرهن في أقل.

                                                                                                                                                                                        وقال غيره: إنما ينظر إلى القيمة يوم القبض، قال: وكذلك لو نتجت الدابة في يده. يريد: إنما تقوم الأم بانفرادها، وهذا موافق لما قال أبو محمد عبد الوهاب أن الرهن يرهن في مثل الدين، وعلى قول ابن القاسم يراعى قيمة الأم والولد.

                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية