الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                        باب في العبد يجني جناية بعد جناية، أو يجني ثم يجنى عليه

                                                                                                                                                                                        وقال مالك في العبد يجني جناية فلم يفده سيده حتى جنى قال: يخير السيد بين أن يفتديه بالجنايتين أو يسلمه فيتحاصا فيه بقدر الجنايتين . وعلى القول أنه بالجناية الأولى ملك للمجني عليه حتى يفتدى منه يخير الأول إذا أسلم إليه بين أن يسلمه أو يفتديه من الثاني.

                                                                                                                                                                                        واختلف إذا جنى ثم جني عليه، فقال ابن القاسم: يخير سيده بين أن يفتديه ، أو يسلمه وما أخذ من جنايته . وقد قيل في هذا الأصل: تقضى الجناية على العبد وعلى الجناية عليه، فإن كانت قيمته مائة وللمجني عليه خمسون كان نصفها على العبد ونصفها على من جنى عليه، فيخير سيده بين أن يفتديه بنصف الجناية أو يسلمه ويكون عليه الأقل مما أخذ في [ ص: 6312 ] الجناية أو قيمة ما ذهب منه ويكون الفضل له .

                                                                                                                                                                                        واختلف إذا جنى ثم جني عليه ثم جنى، فقال ابن القاسم: إن أسلمه سيده أسلم معه دية جرحه كلها فكانت للمجروح الأول وحده ويقتسمان العبد بينهما على قدر جرحيهما لا يحسب على الأول مما أخذ شيء، ثم رجع فقال: إذا أسلمه سيده يحاص الأول والثاني جميعا في رقبته وفي ثمن جرحه .

                                                                                                                                                                                        وقال أشهب: إن أسلمه سيده كان بينهما وكان للأول نصف دية الجرح التي كانت وجبت للعبد وللسيد نصفه زعم لأنه جرح الأول صحيحا فله نصفه صحيحا وجرح الثاني مقطوع اليد فله نصفه صحيحا على ما جرحه عليه وبقي نصف الجرح لا أخذ له وقد استوفى كل واحد حقه .

                                                                                                                                                                                        وقال عبد الملك وأصبغ: تكون جميع دية الجرح للأول خالصا وينظر كم هو من العبد، فإن كان ثلثه فقد صار إلى المجروح الأول ثلث حقه ويبقى ثلثا جرحه فيضرب في العبد على حاله بثلثي جرحه والثاني بدية جرحه [ ص: 6313 ] كله . قال أبو محمد: والقياس أن يكون السيد في قيمة جرحه بالخيار . وهذا أحسنها; لأن العضو الذي ذهب كان عليه قبل ذلك بعض الجناية، وقد أخذ العوض عنه فيجعل عليه ما ينوبه ويحط عن الباقي. [ ص: 6314 ]

                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية