الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                        باب في العبد المعتق بعضه يجني أو يجنى عليه

                                                                                                                                                                                        ومن أعتق نصف عبده وهو موسر ولم يستكمل عليه حتى جنى كان على سيده الأقل من نصف قيمته أو نصف جنايته، فإن كانت الجناية أقل قال: أنا أفتدي، وإن كانت قيمته أقل قال: أنا أسلمه. فكان عليه نصف قيمته لحق العبد في الاستكمال. وإن كان العبد شركة بينه وبين آخر فأعتق نصيبه وهو موسر فلم يقوم عليه حتى جنى كان المتمسك بالرق بالخيار بين أن يفتدي أو يسلم، ثم يكون على المعتق قيمة النصف للسيد إن افتدى أو للمجني عليه إن أسلم، وسواء كانت القيمة مثل الجناية أو أكثر .

                                                                                                                                                                                        وتختلف صفة التقويم فإن افتداه قوم قيمة واحدة، ويقال: كم قيمة جميعه قبل العتق؟ لأنه كان له أن يدعوه إلى بيع جميعه، فإن قيل: مائة كانت له خمسون، وإن أسلمه زيدت قيمة أخرى، فقيل: كم قيمة نصفه يوم أعتق على أن نصفه عتيق؟ فإن قيل: ثلاثون كان له عشرون وهي فضل ما بين قيمة نصفه قبل العتق وبعده، وكان للمجني عليه قيمة نصفه اليوم يوم يقوم على أن [ ص: 6315 ] نصفه عتيق، وعلى القول أنه حر بالسراية يكون للشريك نصف القيمة يوم العتق وللمجني عليه قيمة جميع الجناية على العبد، وإن كان المعتق معسرا بقي النصف رقيقا وقسمت الجناية على العتيق والرقيق وخير المتمسك بالرق بين أن يفتدي أو يسلم.

                                                                                                                                                                                        قال ابن القاسم: ولا شيء في ماله للسيد إن افتداه ولا للمجني عليه إن أسلم إليه.

                                                                                                                                                                                        وقال في كتاب الديات: ويؤخذ ماله كله عن العتيق إلا أن يكون فيه فضل، وإن قصر ماله عما ينوبه أخذ من كسبه ما يفضل عن عيشه وكسوته وإن قصر ماله عن كسوته وعيشته .

                                                                                                                                                                                        وقوله: يؤخذ ماله من العتيق ليس بالبين ، وأحسن من ذلك أن يؤخذ من ذلك المال نصفه; لأنه الذي ينوب العبد ويأخذ الشريك النصف; لأنه إذا دفع النصف في الجناية كان ذلك مقاسمة وأخذ الشريك نصفه، وكذلك ما يكسبه في المستقبل إن فضل شيء عن عيشه وكسوته.

                                                                                                                                                                                        واختلف إذا جني عليه، فقال مالك: نصف الجناية للسيد ونصفها [ ص: 6316 ] للعبد تقر في يده ، وقال أيضا: جميع الجناية للمتمسك بالرق . وتقاد الجناية على بعضه كقتله أن قيمته للمتمسك بالرق . وقيل: جميع الجناية للعبد قياسا على ماله أن جميعه يكون في يده ، والأول أحسن قياسا على جنايته على غيره .

                                                                                                                                                                                        وإذا أعتق الشريك وهو موسر ثم باع المتمسك بالرق نصيبه فإنه لا يخلو المشتري من أن يكون عالما بالعتق وأن الحكم التقويم أو يجهل ويظن ألا تقويم أو لم يعلم بالعتق، فإن علم بالعتق وبالتقويم وأن المعتق موسر كان البيع فاسدا وينقض إذا كان قائما، وإن فات بحوالة الأسواق فما فوق كانت فيه القيمة يقوم على أن نصفه عتيق وأنه يقوم وأن التقويم على أنه لو كان جميعه رقيقا فيقوم على البيع [ ص: 6317 ] الفاسد أن لو كان يجوز; لأنه لا يقدر على غير ذلك بمنزلة بيع الثمر قبل بدو صلاحه، وإن جهل الحكم بالتقويم أو لم يعلم بالعتق كان بيعا صحيحا وتكون مسألة عيب فلا تفيته حوالة أسواق وتفيته العيوب فيما فوق ذلك ، فإن أحب التمسك مع القيام ويكون هو المقوم على المعتق كان ذلك له على أحد القولين، وعلى القول الآخر أنه لما ملك الرد كالمبتدئ شراء يفسخ ويمنع التمسك . والأول أحسن وأنه متمسك بالعقد الأول وليس كمبتدئ إلا أن يكون اختار الرد وإن فات بعيب كان له أن يتمسك ويحط عنه قيمة العيبين، عيب العتق، وعيب التقويم، وإن علم بالعتق ولم يعلم بيسر المعتق حط عنه عيب التقويم ووجب عليه أن يقوم على المعتق، وإن لم يقم حتى أعسر المعتق سقط قيامه إذا [ ص: 6318 ] كان عالما بالعتق ولم يعلم بيسره، وإن لم يكن عالما بالعتق وأعسر المعتق كان مقاله بعيب العتق خاصة فيرده مع القيام، وإن فات رجع بقيمة العيب، وإن مات العبد رجع بعيب العتق. [ ص: 6319 ]

                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية