الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                        فصل [في شروط استحقاق العمد بالقسامة]

                                                                                                                                                                                        العمد يستحق بقسامة رجلين ولا يستحق بقسامة رجل واحد، وإن حلف خمسين يمينا، ولا بأيمان أحد من النساء وجعل الشاهد لوثا والأيمان مقام الشهادة كاللعان الأيمان فيه مكان الشهادة، وإن كان الأولياء اثنان فصاعدا، حلفوا خمسين يمينا وقتلوا، فإن نكلوا ردت اليمين على المدعى عليه فإن حلف خمسين يمينا برئ.

                                                                                                                                                                                        واختلف إذا نكل فقال مالك وابن القاسم يحبس حتى يحلف، وقال أشهب: إذا نكل كانت عليه دية المقتول.

                                                                                                                                                                                        وأرى أن يكون الأولياء بالخيار فإن أحبوا حبس أبدا حتى يحلف أو يأخذوه بالدية ويضرب مائة ويسجن عاما.

                                                                                                                                                                                        واختلف إذا نكل أحد الأولياء أو أكذب نفسه بعد القسامة أو عفا فقال مالك وابن القاسم إذا كان الأولياء بنين أو بني بنين أو إخوة أو أعماما أو بني أعمام فنكل أحدهم ردت الأيمان على القاتل، ولم يكن لمن لم ينكل أن [ ص: 6452 ] يحلف وقال مالك أيضا إذا بقي ممن لم ينكل اثنان فصاعدا كان لهم أن يحلفوا ويستحقوا أنصباءهم من الدية.

                                                                                                                                                                                        قال الشيخ - رضي الله عنه -: وينبغي أن يكون ذلك لمن لم ينكل وإن كان واحدا، أن يحلف خمسين يمينا; لأن الأمر عاد إلى مال كالخطأ والخطأ يصح أن يحلف فيه رجل واحد ويستحق جميع الدية أو نصيبه منها إذا كان معه وارث.

                                                                                                                                                                                        واختلف عنه إذا كان الأولياء أعماما أو بني أعمام أو أبعد منهم من العصبة فنكل بعضهم فجعل مرة الجواب فيهم كالبنين وقال أيضا لمن لم ينكل إذا كانوا اثنين فصاعدا أن يحلفوا ويقتلوا; لأنه عنده لا عفو لهم إلا باجتماع بخلاف البنين والأول أبين، ولا فرق بين ذلك إذا كانوا في القعدد سواء.

                                                                                                                                                                                        وأما إذا أكذب أحدهم نفسه بعد الأيمان فقال في المدونة: أراه بمنزلة لو عرضت عليه اليمين فأباها يريد أنه يبطل الدم وترد الأيمان على المدعى عليه، وأرى أن يكون لمن يكذب نفسه نصيبه من الدية لوجوه:

                                                                                                                                                                                        أحدها: أن ذلك كرجوع أحد البينة بعد الحكم، وقد شهدت بقتل، فقال ابن القاسم وأشهب مرة: إن القتل ثابت وكذلك يقول من لم يكذب نفسه من الأولياء لا يضرني رجوع هذا في باب الدية; لأن المال في ذلك أخف من القتل.

                                                                                                                                                                                        والثاني: أنه قد اختلف إذا نكل أحد من الأولياء هل يكون للباقي أن يحلف ويأخذ نصيبه من الدية، فإذا تقدمت يمينه مضى على أنه وافق قول قائل [ ص: 6453 ] وإن عفا أحد الأولياء بعد القسامة وهم بنون أو بنو بنين أو إخوة صح عفوه وسقط القصاص.

                                                                                                                                                                                        واختلف إذا كانوا أعماما أو بني أعمام فقال مالك يصح عفوه، وقال لا يصح إلا باجتماع والأول أبين، واختلف بعد صحة العفو فقيل للباقي نصيبه من الدية.

                                                                                                                                                                                        وقال عبد الملك بن الماجشون في كتاب ابن حبيب: لست أرى ذلك بعد ثبوت الدم ولا قبله إلا أن يشترط العافي شيئا من الدية أو غيرها; لأن حقهم كلهم إنما كان في دمه فلما عفا أحدهم امتنع القتل فلم يكن لمن لم يعف منهم أن يرجع عن الدم الذي أبطله عفو العافي إلى دية لم تشترط. [ ص: 6454 ]

                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية