الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                        قال الشيخ - رضي الله عنه -: القسامة تصح بستة أوجه ، بقول الميت قتلني فلان وبالشاهد على معاينة القتل وبالشاهدين على معاينة الجرح إذا تنفذ مقاتله وعاش بعد الضرب ثم مات، وباللطخ إذا وجد قربه رجل معه آلة القتل أو خرج من موضع فيه القتيل متلطخا بالدم وبالسماع المستفيض.

                                                                                                                                                                                        قال ابن القاسم: مثل ما لو أن رجلا عدا على رجل في سوق علانية مثل سوق الأحد وما أشبهه من كثرة الناس والغاشية، فقطع كل من حضر عليه الشهادة فرأى من أرضى من أهل العلم أن ذلك إذا كثر هكذا وتظاهر بمنزلة اللوث تكون معه القسامة وليس أن يوجد القتيل في محلة قوم أو على باب إنسان; لأن القاتل يبعد من قتله ويلقيه على باب غيره ليبعد الظن عن [ ص: 6494 ] نفسه وإذا ثبت الضرب ومات بالحضرة إذا كان الضرب من جماعة ولم يعلم من أيها مات. فأما قوله قتلني فلان فتصح القسامة على قوله إذا ادعى أن القتل عمدا وبه جراح وادعى ذلك على من يشبه أن يفعل ذلك وليس بعدو له .

                                                                                                                                                                                        واختلف إذا قال: قتلني فلان خطأ، وإذا قال قتلني عمدا ولا جراح به أو كانت به جراح وادعى ذلك على رجل صالح أو على عدوه، وإذا شهد شاهد واحد على قول الميت قتلني فلان ، وكان قد أنفذت مقاتله، وإذا شهد شاهد أنه أجافه ولم ينفذ مقاتله ثم مات عنه، فروى ابن وهب عن مالك في كتاب محمد: لا يقسم على قوله في الخطأ ; لأنه يتهم أن يكون يريد غنى ولده، والأول أحسن إذا كان جريحا، ولا يتهم أحد أن يقتل نفسه إلا أن يقوم دليل على كذبه، فيدعي ذلك على من يعلم أنه في [ ص: 6495 ] حين الجرح غائبا أو يقول: رمى بحجر فأصابني، ويقول أهل المعرفة: إن ذلك الجرح بحديد أو يدعي على من يعلم أنه معتكف في داره ولا يتصرف فيقول لقيني في موضع كذا فرمى فأصابني فلا يصدق، وإذا قال: قتلني عمدا ولا جراح به فأحسن ذلك ألا يقسم مع قوله إلا أن يعلم أنه كان بينهما قتال، ويلزم الفراش من عقيب ذلك أو يتصرف تصرف مشتك عليه دليل المرض، وتمادى ذلك حتى مات، وقال ابن القاسم: إذا ادعى ذلك على رجل صالح أورع أهل بلده يقسم مع قوله ويقتل.

                                                                                                                                                                                        وقال محمد بن عبد الحكم: لا يقبل قوله وهذا أصوب ; لأنه ادعى ما لا يشبه وأما دعواه على عدوه ففيه شبهة فيصح أن يقال: يقبل قوله; لأن عدو الإنسان يفعل به مثل ذلك ويصح أن يقال لا يقسم; لأنه يتهم إذا نزل به مثل ذلك أن يشتفي هو من عدوه، وقد يتهم أن يكون واطأ عليه، فيقول: قتلني وبقية ما ذكر أنه يقسم فيه يأتي في موضعه إن شاء الله.

                                                                                                                                                                                        وقال عبد الملك في كتاب محمد: إذا شهد شاهد واحد على قول المقتول [ ص: 6496 ] قتلني فلان أنه يقسم مع شهادته، قال محمد: وقال غيره لا يجوز على قول المقتول إلا شاهدان وقال عبد الله بن عبد الحكم هذا أحب إلينا ألا يثبت ذلك إلا بشاهدين أو بشاهد على معاينة القتل .

                                                                                                                                                                                        قال الشيخ - رضي الله عنه -: ويختلف على هذا إذا شهد شاهد على معاينة القتل، ولم تنفذ مقاتله فقال ابن القاسم: إذا شهد شاهد أنه أجافه فعاش وتكلم وأكل وشرب ثم مات أرى فيه القسامة ، وهذا مثل قول عبد الملك، وعلى القول الآخر لا يقسم معه والموضع الذي ثبتت فيه القسامة بشاهد على المعاينة إذا أنفذت مقاتله فيقسم: ما شهد شاهدي إلا بالحق في كل الخمسين يمينا أو شاهدين على معاينته، ولم تنفذ مقاتله فيقسم لمات من ذلك وإذا كان الشاهد على قول الميت أو على أنه أجافه ولم تنفذ مقاتله فمن صار إلى أنه يحلف فيحلف أنه شهد بالحق وأنه قتله; لأنه لو شهد شاهدان على قول الميت لم يستحق بذلك القتل إلا بعد القسامة أنه قتله فهو يحلف أنه شهد بحق لا يحلف أنه قتله.

                                                                                                                                                                                        وكذلك شاهده على معاينة الضرب يحلف مع شاهده لضربه [ ص: 6497 ] ليتوصل بها إلى اليمين أنه مات من ذلك الضرب، ولا يختلف على من أجاز ذلك أنه يجمع ذلك في قسامة واحدة في خمسين يمينا وليس بأن يحلف مع الشاهد خمسين يمينا ثم يستأنف خمسين يمينا أخرى التي كانت تجب لو شهد على القتل أو الضرب شاهدان. [ ص: 6498 ]

                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية