الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                        باب في الاستثناء في اليمين بالله والطلاق والعتق

                                                                                                                                                                                        الاستثناء يصح في اليمين بالله، وفيما كفارته كفارة اليمين بالله، كاليمين بالصفات والنذر المبهم .

                                                                                                                                                                                        وسواء استثنى مشيئة الله تعالى، أو مشيئة آدمي حي أو ميت. فإن قال: والله لأفعلن كذا إن شاء الله، أو إن شاء فلان أن أفعله، أو إلا أن يشاء الله، أو فلان. أو قال: لا فعلت إلا أن يشاء الله، أو فلان أن أفعله، أو إن شاء الله أو فلان ألا أفعله ; كان له استثناؤه في جميع ذلك.

                                                                                                                                                                                        والاستثناء المجتمع عليه: ما اشتمل على ثلاثة شروط، وهي: أن تكون نطقا نسقا، بنية قبل اليمين، أو في موضع لو سكت لم تنعقد اليمين .

                                                                                                                                                                                        ويختلف إذا لم يحرك لسانه بالاستثناء، فقال مالك في المدونة: لا ينفعه ذلك .

                                                                                                                                                                                        وعلى قوله أن اليمين تنعقد بالنية; يصح استثناؤه بالنية.

                                                                                                                                                                                        ولم يختلف أن المحاشاة تصح بالنية; لأن المحاشاة إخراج ذلك قبل اليمين. وكذلك الاستثناء، إذا كانت تلك نيته قبل اليمين; لأنها محاشاة.

                                                                                                                                                                                        وقال محمد : الاستثناء كل ما كان فيه (إن) ، مثل قوله: إن شاء الله، إن شاء فلان. ومثل قوله: إلا أن، مثل أن يحلف إن فعل كذا إلا أن. وكل ما [ ص: 1688 ] كان فيه إلا، مثل أن يحلف إن صحبت اليوم قرشيا، ويقول في نفسه: إلا فلانا. وإن كنت أكلت اليوم طعاما، إلا لحما. فهذه الثلاثة الأوجه: استثناء لا يجزئه إلا بتحريك اللسان، إن، وإلا أن، وإلا. ولو أخبره رجل خبرا، وقال: لا تخبر به أحدا، ونوى في نفسه إلا فلانا; لم ينفعه. ولو حرك به لسانه، ونوى في قلبه وفلان; أجزأه. لأن الأول فيه إلا، والثاني ليس فيه إلا الواو. قال: وقد قيل: ليس الاستثناء إلا في وجهين; إن وإلا أن. وأما قوله إلا، فالنية تجزئه. ألا ترى قوله: الحلال علي حرام، وهو ينوي إلا امرأته; أن ذلك يجزئه .

                                                                                                                                                                                        وهذا أحسن ; لأن (إلا) تكون بمعنى (غير وسوى) ، فيرجع إلى المحاشاة إذا عزلها بنيته، وإن أدخلها في اليمين، ثم رفعها; كان استثناء.

                                                                                                                                                                                        واختلف إذا نسق الاستثناء بنية حدثت بعد تمام اليمين: فقال مالك في المدونة: ذلك استثناء .

                                                                                                                                                                                        وقال محمد بن المواز : ليس ذلك باستثناء. قال وإن نوى الاستثناء قبل آخر يمينه، ولم يبق منها إلا حرف، ثم نسق الاستثناء; فذلك جائز .

                                                                                                                                                                                        يريد: إذا بقي من الكلام ما لو سكت ; لم ينعقد اليمين.

                                                                                                                                                                                        وقال إسماعيل القاضي: إن لم يعزم على الاستثناء إلا بعد الفراغ من اليمين; لم ينفعه، وإن كان نسقا. وإن ابتدأ اليمين ثم عزم على الاستثناء قبل [ ص: 1689 ] انقضاء اليمين، ولو بأقل الأجزاء، كان ذلك له. قال: ألا ترى لو بلغ آخر اليمين إلا ذلك الجزء، ثم قطع يمينه; لكانت ساقطة عنه; لأن اليمين لا تنعقد إلا بتمامها. قال: وكذلك كل شيء من الطلاق والعتق، لا يقع إلا بتمامها. وهذا أحسن.

                                                                                                                                                                                        وأما إذا أحدث نية بعد تمام اليمين، فإنما يريد أن يدفع يمينا قد انعقدت ووجبت، وذلك غير صحيح.

                                                                                                                                                                                        وبقية ما يتعلق بالاستثناء مذكور في كتاب الأيمان بالطلاق وفي كتاب العتق الأول. [ ص: 1690 ]

                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية