الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                        باب فيمن حلف بيمين على أشياء أو بأيمان على شيء واحد

                                                                                                                                                                                        وقال مالك ، فيمن قال لأربع نسوة له: والله، لا أجامعكن، أو لا أكلمكن ففعل; فكفارة واحدة تجزئه .

                                                                                                                                                                                        واختلف إذا أصاب واحدة أو كلمها، فقال مالك : قد حنث في يمينه .

                                                                                                                                                                                        وقال أبو القاسم ابن الجلاب : يتخرج فيها قول آخر: أن لا يحنث حتى يفعل جميع ما حلف عليه . وإن قال لواحدة: والله، لا أكلمك . ثم قال للأخرى: ولا أنت. فإن كانت تلك نيته من أول يمينه; كان كالذي قال: لا أجامعكن. فإن كان ذلك بنية حدثت بعد تمام اليمين; جرت على القولين، إذا نسق الاستثناء بنية حدثت بعد تمام اليمين. وعلى الاختلاف فيمن طلق زوجته قبل الدخول طلقة، ثم نسق أخرى، فمن جعل ذلك استثناء، وألزم الطلقة الثانية; أدخل هؤلاء في اليمين الأولى. ومن لم يجعل ذلك استثناء، ولا ألحق الطلقة الثانية; لم يدخل هؤلاء في اليمين.

                                                                                                                                                                                        وإذا لم يصح دخولهن في اليمين; لم يكن عليه شيء فيهن، كأنه لم يحدث يمينا أخرى. وإن أراد بقوله: ولا أنت، يمينا نواها حينئذ غير اليمين الأولى; لزمه. [ ص: 1691 ]

                                                                                                                                                                                        وكذلك إذا عطف على الأربعة، فقال: ولا أنت، ولا أنت. وأحدث نية يمين عند عطفه على كل واحدة، فيلزمه أربع كفارات.

                                                                                                                                                                                        وإن أحدث نية يمين عند العطف على الأولى، يريد بقوله: ولا أنت: جميع البواقي; كان عليه كفارتان، وكن الثلاث داخلات في اليمين الثانية.

                                                                                                                                                                                        وقال مالك في كتاب محمد ، فيمن قالت له زوجته: يا ابن الخبيثة ثم جحدت ذلك، فقال لها: أنت طالق إن لم تكوني قلت لي: يا ابن الخبيثة. ثم سكت قليلا، ثم قال: لقد قلتها لي ثلاث مرات. ثم شك فيما بعد الواحدة، فقال مالك : ما أرى عليه شيئا، إلا أن يقول: أردت به طلاقا، أو ذكرته . وقال ابن القاسم : إن كان كلاما واصلا; فذلك يلزمه، وإن كان بين ذلك صمات; فلا شيء عليه، إلا أن ينوي بكلامه أن يدخله في يمينه .

                                                                                                                                                                                        وقول مالك : لا شيء عليه. وإن كان واصلا بيمينه، إلا أن ينوي إدخال قوله تحت اليمين المتقدمة، أو يحدث نية يمين أخرى أبين. وليس كقوله: وأنت وأنت; لأن ذلك أتى بواو العطف على الأولى، وهذا استأنف قولا، ولم يعطف.

                                                                                                                                                                                        وإن كرر اليمين على شيء واحد في مجلس أو مجالس، فقال: والله والله، لا فعلت كذا; كانت يمينا واحدة، إلا أن ينوي يمينين، فيكون عليه كفارتان. وكذلك لو قال: والله فوالله، إلا أن ينوي يمينين.

                                                                                                                                                                                        قال محمد : ولو قال: والله، ثم والله، ثم والله إن كلمت فلانا; فليس عليه [ ص: 1692 ] إلا كفارة واحدة .

                                                                                                                                                                                        وأرى أن يكفر عن كل يمين كفارة، وهذه أيمان، وهو بمنزلة من قال: علي ثلاثة أيمان.

                                                                                                                                                                                        وقال محمد بن عبد الحكم ، فيمن قال: والله ووالله ووالله، لا أفعل، في شيء واحد: فعليه ثلاث كفارات. قال: وإنما تكون كفارة واحدة إذا قال: والله والله والله.

                                                                                                                                                                                        وقال مالك في كتاب محمد ، فيمن حلف بالله في شيء أن لا يفعله، فقيل له: إنك ستحنث. فقال: والله، لا أحنث. ثم حنث: فعليه كفارتان .

                                                                                                                                                                                        قال محمد : ولو قال: علي نذر إن فعلت كذا، علي نذر إن فعلت كذا ففعله ; فعليه كفارتان . [ ص: 1693 ]

                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية