الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
الفصل الثالث

2278 - عن أبي سعيد - رضي الله عنه - ، قال : خرج معاوية على حلقة في المسجد ، فقال : ما أجلسكم ؟ قالوا : جلسنا نذكر الله . قال : آلله ما أجلسكم إلا ذلك ؟ قالوا : آلله ما أجلسنا غيره . قال : أما إني لم أستحلفكم تهمة لكم ، وما كان أحد بمنزلتي من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أقل عنه حديثا مني ، وإن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خرج على حلقة من أصحابه ، فقال : " وما أجلسكم هاهنا ؟ ) قالوا : " جلسنا نذكر الله ونحمده على ما هدانا للإسلام ، ومن به علينا . قال : " آلله ما أجلسكم إلا ذلك ؟ " قالوا : آلله ما أجلسنا إلا ذلك . قال : " أما إني لم أستحلفكم تهمة لكم ، ولكنه أتاني جبريل فأخبرني أن الله عز وجل يباهي بكم الملائكة " رواه مسلم .

التالي السابق


الفصل الثالث

2278 - ( عن أبي سعيد ، قال : خرج معاوية على حلقة ) : بسكون اللام وتفتح أي : جماعة متحلقة ( في المسجد ) متقابلين على الذكر بالاجتهاد ( فقال : ما أجلسكم ؟ ) : أي : ما السبب الداعي إلى جلوسكم على هذه الهيئة هاهنا ، وهو استفهام . ( قالوا : جلسنا نذكر الله ) : أي : الذي أجلسنا هو غرض الإجماع على الذكر ، ( قال : آلله ) : بالمد والجر ( ما أجلسكم إلا ذلك ؟ ) : ما هذه نافية . قال السيد جمال الدين : قيل : الصواب بالجر لقول المحقق الشريف في حاشيته همزة الاستفهام وقعت بدلا عن حرف القسم ويجب الجر معها اهـ . وكذا صحح في أصل سماعنا من المشكاة ، ومن صحيح مسلم ، ووقع في بعض نسخ المشكاة بالنصب اهـ . كلامه ، وهو مشهور لأن خلاصة الطيبي حاشية من السيد الشريف على المشكاة كما هو مشهور بين الناس وهو بعيد جدا ، أما أولا : فلأنه غير مذكور في أسامي مؤلفاته ، وثانيا : أنه مع جلالته كيف يختصر كلام الطيبي اختصارا مجردا لا يكون له تصرف فيه أبدا . ثم اعلم أن النصب في المواضع الأربعة وقع في نسخة السيد عفيف الدين ، قال الطيبي ، قيل : الله بالنصب أي : أتقسمون بالله ؟ فحذف الجار وأوصل الفعل ثم حذف الفعل اهـ . وتبعه ابن حجر ، ولا يخلو عن التكلف والتعسف . ( قالوا : آلله ) : تقديره أي : أو نعم فنقسم بالله ( ما أجلسنا غيره ) : فوقع الهمزة موقعها مشاكلة وتقريرا لذلك ، كما قرره الطيبي ، ولا يخفى أنه لا يحتاج إليه ، فإن الهمزة وقعت بدل حرف القسم فلا وجه للمشاكلة ، نعم أطنبوا في الجواب حيث عدلوا عن أي أو نعم تأكيدا لرفع الحجاب . ( قال ) : أي : معاوية ( أما ) : بالتخفيف للتنبيه ( إني ) : بالكسر لا غير على ما في النسخ المصححة ، وأما قول ابن حجر : أما استفتاحية ، أو بمعنى حقا على رأي ، وإني بالكسر على الأول وبالفتح على الثاني ، فمحمول على تجويز عقلي منه على أن كون أما بمعنى حقا لا ينافي الكسر ، ( لم أستحلفكم تهمة لكم ) : بسكون الهاء ويفتح . قال في النهاية : التهمة وقد تفتح الهاء فعلة من الوهم ، والتاء بدل من الواو ، اتهمته ظننت فيه ما نسب إليه ، وفي القاموس أدخل عليه التهمة كهمزة أي ما يتهم عليه أي : ما أستحلفكم تهمة لكم بالكذب ، لكن أردت المتابعة المشابهة فيما وقع له - صلى الله عليه وسلم - مع الصحابة ، وقدم بيان قربه منه - عليه الصلاة والسلام - وقلة نقله من أحاديثه الكرام دفعا لتهمة الكذب عن نفسه فيما ينقله من الكلام ، فقال : ( وما كان أحد بمنزلتي ) : أي : بمرتبة قربي ( من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ) : لكونه محرما لأم حبيبة أخته من أمهات المؤمنين ، ولذا عبر عنه المولوي في المثنوي بخال المؤمنين ، ولكونه من أجلاء كتبة الوحي ( أقل ) : خبر كان ( عنه ) : أي : عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ( حديثا مني ) : أي : لاحتياطي في الحديث ، وإلا كان مقتضى منزلته أي : يكون كثير الرواية ، ولعله كان ممن لم يجوز الرواية بالمعنى . ( وإن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خرج على حلقة من أصحابه ) : هذا ما سنح لي من حمل الكلام في هذا المقام .

وقال الطيبي : أي : لم أستحلفكم ولكن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خرج بدليل قوله ولكنه أتاني جبريل ، وقوله : وما كان أحد : معترضة بين الاستدراك والمستدرك يؤذن بأنه لم ينسه وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم - متصل بقوله إني أستحلفكم اتصال الاستدراك بالمستدرك اهـ . فتأمل ( فقال ) : أي : النبي - صلى الله عليه وسلم - : ( ما أجلسكم هاهنا ؟ " قالوا : جلسنا نذكر الله ونحمده على ما هدانا للإسلام ، ومن به ) : أي : بذكره أو بالإسلام ( علينا ) : أي : من بين الأنام ، كما حكى الله تعالى عن مقول أهل دار السلام : الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله [ ص: 1558 ] لولا الله ما اهتدينا ولا تصدقنا ولا صلينا

( قال : " آلله ما أجلسكم إلا ذلك ؟ ) : لعله أراد به الإخلاص ( قالوا : آلله ما أجلسنا إلا ذلك . قال : أما إني لم أستحلفكم تهمة لكم ) : لأنه خلاف حسن الظن بالمؤمنين ( ولكنه ) : أي الشأن ، وفى نسخة ولكني ( أتاني جبريل فأخبرني أن الله - عز وجل - يباهي بكم الملائكة ) : نقل بالمعنى ، وإلا كان الظاهر بهم ، قيل : معنى المباهاة بهم أن الله تعالى يقول لملائكته : انظروا إلى عبيدي هؤلاء كيف سلطت عليهم نفوسهم ، وشهواتهم ، وأهويتهم ، والشيطان ، وجنوده ، ومع ذلك قويت همتهم على مخالفة هذه الدواعي القوية إلى البطالة وترك العبادة والذكر ، فاستحقوا أن يمدحوا أكثر منكم ؛ لأنكم لا تجدون للعبادة مشقة بوجه ، وإنما هي منكم كالتنفس منهم ، ففيها غاية الراحة والملاءمة للنفس . قال الطيبي رحمه الله : أي فأردت أن أتحقق ما هو السبب في ذلك ، فالتحليف لمزيد التقرير والتأكيد لا التهمة ، كما هو الأصل في وضع التحليف ، فإن من لا يتهم لا يحلف . ( رواه مسلم ) .




الخدمات العلمية