الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
3814 - وعن أبي موسى رضي الله عنه ، قال : جاء رجل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال : الرجل يقاتل للمغنم ، والرجل يقاتل للذكر ، والرجل يقاتل ليرى مكانه ، فمن في سبيل الله ؟ قال : " من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله " . متفق عليه .

التالي السابق


3814 - ( وعن أبي موسى رضي الله عنه قال : جاء رجل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال ) : أي : ذلك الرجل ( الرجل ) : أي : جنس الرجل بمعنى الشخص ( يقاتل للمغنم ، والرجل ) : أي : الآخر ( يقاتل للذكر ) : أي : للصيت والشهرة والرياء والسمعة . في النهاية : أي : ليذكر بين الناس ويوصف بالشجاعة والذكر والشرف والفخر والصيت ( والرجل ) : أي : الآخر ( يقتل ليرى ) : بصيغة المجهول ; أي : ليعلم ، أو يبصر بين الناس ( مكانه ) : بالرفع ; أي مرتبته في الشجاعة ، وفي نسخة بصيغة المعلوم من الإراءة ونصب ( مكانه ) . قال الأشرف : هو من باب الأفعال فإن قرئ معلوما ففاعله ضمير الرجل والمفعول الثاني محذوف ; أي : يقاتل ذلك الرجل ليرى هو مكانه ; أي : منزلته ومكانته من الشجاعة الناس ، فالفرق على هذا بين قوله : يقاتل للذكر ، وبين هذا أن الأول سمعة ، والثاني رياء ; أي : من الغزاة من سمع ومنهم من راءى . وإن قرئ مجهولا ، فالذي أقيم مقام الفاعل ضمير الرجل ومكانه نصب على أنه المفعول الثاني ; أي : قاتل ذلك ليبصر هو منزلته من الجنة ، وتحقيقه أنه قاتل للجنة لا لإعلاء [ ص: 2471 ] كلمة الله ونصرة دينه . وقال المظهر ; أي : ليرى منزلته من الجنة ; أي : ليحصل له الجنة ويؤيده قوله : ( فمن في سبيل الله ؟ قال : من قاتل لتكون كلمة الله ) : أي : كلمة التوحيد وهي لا إله إلا الله ( هي العليا فهو في سبيل الله ) ; أي : لا غير ، لكن الظاهر أن إرادة الجنة غير مزاحمة إرادة كون كلمة الله هي العليا ، ولذا قال - صلى الله عليه وسلم - : " قوموا إلى الجنة " كما سبق ، فالمراد بهما واحد والمآل متحد . وقال الطيبي ، قوله : فالذي أقيم مقام الفاعل ضمير الرجل ومكانه نصب على المفعول الثاني غير صحيح ، بل المفعول الثاني أقيم مقام الفاعل ، وكذا في نسخة صحيحة للبخاري وجامع الأصول مضبوط بالرفع ; أي : ليرى الناس منزلته في سبيل الله . قلت : مبنى كلام الأشرف على نصب مكانه لا على رفعه . فقوله غير صحيح غير صحيح قال : وأيضا لا فرق بين السمعة والرياء . المغرب : يقال فعل ذلك سمعة ليريه الناس من غير أن يكون قصد به التحقيق ، وسمع بكذا أشهره ، تسميعا ، ومنه الحديث : " من سمع الناس بعمله سمع الله به أسامع خلقه وحقره وصغره ونوه الله لريائه وبلائه أسماع خلقه فيفتضح " قلت : كلام الأشرف مبني على التحقيق الأصلي ، والتدقيق اللغوي ، فإنه لا شك أن الرياء مأخوذ من الرؤية ، كما أن السمع هو ما أخذ السمعة ، نعم ، اتسع فيهما فتطلق إحداها على الأخرى وقد يجمع بينهما على الأصل فيقال : رياء وسمعة . قال : ولعل الأظهر أن يراد بالذكر الصيت والسمعة وبالرؤية علم الله ، ونحوه قوله تعالى ( أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم ويعلم الصابرين ) يعني المجاهدين منكم للغنيمة والذكر ، والمجاهد الصابر الذي يستفرغ جهده في سبيل الله .

قلت : هو غير ظاهر فضلا أن يكون أظهر . قال : ويجوز أن يراد بالرؤية المؤمنون في القيامة منزلته عند الله تعالى كما سيجيء في الفصل الثالث في حديث فضالة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " إن الشهداء أربعة : رجل جيد الإيمان لقي العدو فصدق الله حتى قتل ، فذلك الذي يرفع الناس إليه أعينهم يوم القيامة " هكذا الحديث . فيكون قد سأل الرجل عن أحوال المجاهدين بأسرها ومقاتلتهم ، إما للغنيمة ، أو للذكر والصيت والفخر رياء ، أو ليحمده الله تعالى ، فكنى - صلى الله عليه وسلم - بقوله عن الثالث : " من قتل لتكون كلمة الله هي العليا " إحمادا عليه وشكرا لصنيعه وإلا كان يكفيه في الجواب أن يقول : من يقاتل ليرى مكانه .

قلت : ووجه العدول أن هذا مبهم غير دال على المقصود صريحا ، أو صحيحا . قال : والمكان هاهنا بمنزلته في قوله تعالى : ( اعملوا على مكانتكم ) الكشاف : المكانة تكون مصدرا يقال : مكن مكانة إذا تمكن أبلغ التمكن ، بمعنى المكان يقال مكان ومكانة ومقام ومقامة ; أي : اعملوا على تمكنكم من أمركم وأقصى استطاعتكم وإمكانكم ، أو اعملوا على جهتكم وحالكم التي أنتم عليها وكلمة الله عبارة عن دين الحق ; لأن الله تعالى دعا إليه وأمر الناس بالاعتصام به كما قيل لعيسى : ( كلمة الله ) وهي فصل والخبر العليا فأفاد الاختصاص ; أي : لم يقاتل لغرض من الأغراض إلا لإظهار الدين ، والله أعلم . ( متفق عليه ) .




الخدمات العلمية