الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            فصل : فإذا تقرر هذا لم يخل مسكنها وقت الطلاق من ثلاثة أحوال : أحدها : أن يكون مسكن مثلها ، فعليه أن يقرها فيه ولا تخرج منه : لأن حقها قد تعين فيه بطلاقها فيه فلم يجز إخراجها منه ولم تنتقل عن حقها فوجب إخراج الزوج منه . [ ص: 251 ] والحال الثانية : أن يكون أقل من مسكن مثلها ، فإن قنعت به أقرت فيه ، ولم تخرج منه وإن لم تقنع وجب على الزوج أن يكمل حقها في مسكن مثلها ، فإن قدر على دار تلاصقها تضاف إليها فعل ، ولم يجز أن تخرج من دارها إلا للارتفاق بما أضيف إليها من باب بينهما ، وإن لم يقدر على دار تلاصقها استأجر لها مسكن مثلها في أقرب المواضع من دار طلاقها ، وكان انتقالها إليها لعذر في استيفاء الحق فجاز . والحال الثالثة : أن يكون أكثر من مسكن مثلها فهي مسألة الكتاب ، وقد قال الشافعي : " وللزوج إذا تركها فيما يسعها من المسكن وستر ما بينه وبينها أن يسكن في سوى ما يسعها " . وتفصيله أن يراعي حال المسكن ، فإن كان دارا ذات حجرة تنفذ إليها سكنت فيها مسكن مثلها ، والزوج في الأخرى بعد سد المنفذ أو غلقه ، فإن كان مسكن مثلها الدار سكنتها والزوج في الحجرة ، وإن كان مسكن مثلها الحجرة سكنتها والزوج في الدار ، وتكون الدار والحجرة كدارين متجاورتين ، وإن لم يكن للدار حجرة ، وكان لها علو كان العلو كالحجرة ، فإن كان مسكن مثلها العلو سكنته والزوج في السفل ، وقطع ما بين العلو والسفل بغلق باب أو سده ، وإن لم يكن للدار علو فلها حالتان : إحداهما : أن تكون واسعة تكتفي كل واحد منهما بجانب منها ، فإن قطع بين الجانبين بحاجز من بناء مكين أو خشب وثيق جاز أن تنفرد الزوجة بالسكنى في أحد الجانبين ، والزوج في الجانب الآخر ، وإن لم يكن معها دون محرم ، ولا نساء ثقات ؛ لأنها بالقطع قد صارت كالدارين ، وإن لم يقطع بينهما بحاجز لم يجز أن ينفرد بأحد الجانبين إلا مع ذي محرم أو نساء ثقات قال النبي صلى الله عليه وسلم : " لا يخلو رجل بامرأة فإن ثالثهما الشيطان . والحال الثانية : أن تكون الدار ضيقة لا تحتمل أن تقطع بحاجز فلها حالتان : أحدهما : أن تكون ذات بيوت يمكن إذا أسكن أحدهما في بيت منها ، وسكن الآخر في بيت آخر أن لا تقع عين أحدهما على الآخر فيجوز أن تسكن الزوجة في بيت منها إذا كان معها ذو محرم بالغ ، أو نساء ثقات ؛ لتكون محفوظة بمراقبة ذي المحرم البالغ والنساء الثقات ، ويسكن الزوج في بيت آخر من الدار وإن كرهنا ذلك له حذرا من أن تقع عينه عليها . والحالة الثالثة : أن تكون الدار ذات بيت واحد إذا اجتمعا فيه لا يمكن أن لا تقع عين أحدهما على الآخر فلا يجوز أن تسكن معه فيه ، وإن كان معها ذو محرم أو نساء ثقات : لأن العين لا تحفظ عند إرسالها ، قد صرف رسول الله صلى الله عليه وسلم وجه الفضل بن العباس ، وكان رديفه بمنى عن الخثعمية حين جعل ينظر إليها وجعلت تنظر إليه ، [ ص: 252 ] وقال : شاب وشابة وخفت أن يدخل الشيطان بينهما فقد منع ذلك وهو أعظم من المحرم .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية