الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                        السبب الثاني : الإكراه . التصرفات القولية المحمول عليها بالإكراه بغير حق ، باطلة سواء الردة والبيع ، وسائر المعاملات والنكاح ، والطلاق والإعتاق وغيرها ، وأما ما حمل عليه بحق ، فهو صحيح ، فيحصل من هذا أن إسلام المرتد والحربي مع الإكراه ، صحيح ، لأنه بحق ، ولا يصح إسلام الذمي مكرها على الأصح ، والمؤلي بعد مضي المدة إذا أطلق بإكراه القاضي ، نفذ لأنه بحق ، أو لأنه ليس بحقيقة إكراه ، فإنه لا يتعين الطلاق . قال المتولي : هذا في الطلقة الواحدة ، وأما إذا أكرهه الإمام على ثلاث طلقات فتلفظ بها ، فإن قلنا : لا ينعزل بالفسق ، وقعت واحدة ولغت الزيادة . وإن قلنا : ينعزل ، لم يقع شيء كما لو أكرهه غيره ، وثبت التحريم بالرضاع مع الإكراه ، وفي امتناع القصاص وحد الزنا في حق الرجل بالإكراه خلاف في موضعه .

                                                                                                                                                                        فصل

                                                                                                                                                                        إنما يندفع الطلاق بالإكراه ، إذا لم يظهر ما يدل على اختياره . فإن ظهر بأن خالف المكره ، وأتى بغير ما حمله عليه ، حكم بوقوع الطلاق ، ولذلك [ ص: 57 ] صور منها أن يكرهه على طلقة فيطلق ثلاثا ، أو على ثلاث ، فيطلق واحدة ، أو على طلاق زوجتين ، فيطلق إحداهما ، أو على أن يطلق بصريح ، فطلق بكناية أو بصريح آخر ، أو بالعكس ، أو على تنجيز الطلاق فعلقه ، أو بالعكس ، فلا عبرة بالإكراه في كل هذه الصور ، ويقع ما أتى به .

                                                                                                                                                                        ولو أكرهه على طلاق إحدى زوجتيه ، فطلق واحدة بعينها ، وقع على المذهب لأنه مختار في تعيينها وحكى المتولي فيه خلافا ، ولو أكرهه على طلاق زوجة فطلق زوجتين ، نظر إن قال له : طلق زوجتك حفصة ، فقال لها ولضرتها عمرة : طلقتكما ، طلقتا ، لأنه عدل عن كلمة الإكراه . وإن قال : طلقت حفصة وعمرة ، أو : وطلقت عمرة ، أو حفصة طالق وعمرة طالق ، طلقت عمرة ولم تطلق حفصة ، هكذا فصله البغوي والمتولي وغيرهما ، ولم يفصل الإمام بين العبارتين ، بل أطلق عن الأصحاب الحكم بوقوع الطلاق على الضرتين . قال : وفيه احتمال ، إذ لا يبعد أن يكون مختارا في طلاق عمرة .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        الإكراه على تعليق الطلاق ، يمنع انعقاده ، كما يمنع نفوذ التنجيز .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        إن ورى المكره بأن قال : أردت بقولي : طلقت فاطمة غير زوجتي ، أو نوى الطلاق من وثاق ، أو قال في نفسه : إن شاء الله تعالى ، لم يقع الطلاق . وإذا ادعى التورية ، صدق ظاهرا في كل ما كان يدين فيه عند الطواعية .

                                                                                                                                                                        وإن ترك التورية ، نظر إن كان غبيا لا يحسن التورية ، لم يقع طلاقه أيضا ، وإن كان عالما وأصابته دهشة بالإكراه وسل السيف ، فكذلك . وإن لم تصبه [ ص: 58 ] دهشة ، فوجهان . أحدهما : يقع طلاقه ، وهو اختيار القفال والغزالي ، لإشعاره بالاختيار ، وأصحهما : لا ، لأنه مجبر على اللفظ . ولا نية تشعر بالاختيار .

                                                                                                                                                                        ولو قصد المكره إيقاع الطلاق ، فوجهان . أحدهما : لا يقع ، لأن اللفظ ساقط بالإكراه ، والنية لا تعمل وحدها . وأصحهما : يقع لقصده بلفظه . وعلى هذا ، فصريح لفظ الطلاق عند الإكراه ، كناية ، إن نوى وقع ، وإلا فلا .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        قال : طلق زوجتي وإلا قتلتك ، فطلقها وقع على الصحيح ، لأنه أبلغ في الإذن ، وقيل : لا يقع لسقوط حكم اللفظ بالإكراه . كما لو قال لمجنون : طلقها فطلق .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        الوكيل في الطلاق إذا أكره على الطلاق . قال أبو العباس الروياني : يحتمل أن يقال : يقع لحصول اختيار المالك ، ويحتمل أن لا يقع ، لأنه المباشر . قال : وهذا أصح .

                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية