الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                              ذكر اختلاف أهل العلم في سجدتي السهو قبل التسليم أو بعده

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر: افترق أهل العلم في سجوده السهو قبل التسليم أو بعده أربع فرق: فقالت فرقة: سجود السهو كله قبل التسليم، روي هذا القول عن أبي هريرة . [ ص: 501 ]

                                                                                                                                                                              1686 - من حديث إسحاق بن إبراهيم ، قال: أخبرنا جرير، عن محمد بن إسحاق ، عن الزهري ، عن أبي سلمة ، عن أبي هريرة : أنه كان يأمر بسجدتي السهو قبل أن يسلم.

                                                                                                                                                                              وبه قال مكحول ، والزهري، وروي ذلك عن سعيد بن المسيب ، ويحيى الأنصاري، وربيعة، والأوزاعي، والليث بن سعد، وبه قال الشافعي . واحتج بعض القائلين بهذا القول، ومن حجة من قال: السهو قبل السلام خبر عبد الرحمن، وأبي سعيد الخدري ، وابن عباس ، وابن بحينة.

                                                                                                                                                                              1687 - حدثنا محمد بن علي ، قال: ثنا سعيد، قال: ثنا عبد العزيز بن محمد ، عن زيد بن أسلم ، عن عطاء بن يسار ، عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إذا شك أحدكم في صلاته فلا يدري كم صلى ثلاثا أو أربعا؟ فليقم فليصل ركعة ويسجد سجدتين وهو جالس قبل السلام، فإن كانت الركعة التي صلى خامسة شفعها بهاتين [السجدتين] ، وإن كانت رابعة فالسجدتان ترغيم للشيطان".

                                                                                                                                                                              1688 - حدثنا إسحاق، عن عبد الرزاق ، عن معمر ، عن الزهري ، عن عبد الرحمن الأعرج ، عن عبد الله بن بحينة قال: صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إحدى صلاتي العشي فقام في ركعتين فلم يجلس، فلما كان في آخر صلاته انتظرنا فسجد سجدتين قبل التسليم ثم سلم. [ ص: 502 ]

                                                                                                                                                                              وقالت فرقة: سجود السهو كله بعد السلام، وممن روينا ذلك عنه سعد بن أبي وقاص ، وابن مسعود ، وأنس بن مالك ، وابن الزبير ، وابن عباس ، وروي ذلك عن علي، وعمار.

                                                                                                                                                                              1689 - حدثنا يحيى بن محمد بن يحيى ، قال: ثنا أحمد بن يونس ، قال: ثنا زهير ، قال: ثنا إسماعيل بن أبي خالد ، عن قيس بن أبي حازم قال: صلى سعد بن أبي وقاص فسها في ركعتين، فقام في الثانية فسبح به القوم من خلفه، فمضى حتى فرغ ثم سجد سجدتين وهو جالس بعدما سلم.

                                                                                                                                                                              1690 - حدثنا إسماعيل بن قتيبة ، قال: نا أبو بكر، قال: نا ابن عيينة ، عن منصور، عن إبراهيم، عن علقمة: أن عبد الله، سجد سجدتي السهو بعد السلام، وذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم فعله.

                                                                                                                                                                              1691 - حدثنا يحيى بن محمد، قال: ثنا الحجبي، قال: ثنا يزيد بن زريع ، قال: نا سعيد بن أبي عروبة ، عن قتادة ، عن أنس، والحسن : أنهما قالا في الرجل يشك في صلاته فلم يدر أزاد أم نقص: فليسجد سجدتين بعدما يسلم. [ ص: 503 ]

                                                                                                                                                                              1692 - حدثنا إسماعيل، قال: نا أبو بكر، قال: نا يزيد بن هارون ، عن أشعث ، عن الشعبي : أن سعدا، وعمارا، سجداهما بعد التسليم.

                                                                                                                                                                              1693 - حدثنا إسماعيل، قال: ثنا أبو بكر، قال: ثنا غندر ، عن هشام الدستوائي ، عن يحيى بن أبي كثير ، عن محمد بن إبراهيم بن الحارث : أن أبا هريرة والسائب القاري، كانا يقولان: السجدتان قبل الكلام وبعد السلام.

                                                                                                                                                                              1694 - حدثنا إسماعيل، قال: نا أبو بكر، قال: نا يحيى بن [سليم ] ، عن جعفر بن محمد ، عن أبيه؛ أن عليا قال: [سجدتا] السهو بعد السلام قبل الكلام.



                                                                                                                                                                              1695 - حدثنا علان، قال: نا سعيد بن عفير، قال: نا يحيى بن أيوب ، عن موسى بن عبد الرحمن، عن عمرو بن دينار ، عن ابن عباس أنه قال: [سجدتا] السهو بعد السلام.

                                                                                                                                                                              1696 - حدثنا محمد بن علي ، قال: نا سعيد، قال: ثنا هشيم ، قال: أنا أبو بشر ، عن يوسف بن ماهك، قال: صلى بهم ابن الزبير ، فقام في [ ص: 504 ] الركعتين فسبحوا به، فسبح بهم ومضى بهم حتى أتم صلاته، وسجد سجدتين وهو جالس بعد ما سلم.

                                                                                                                                                                              وبه قال الحسن البصري ، وإبراهيم النخعي، وابن أبي ليلى ، وسفيان الثوري ، والحسن بن صالح ، وأصحاب الرأي، وقال أصحاب الرأي: يجزئه أن يسجدهما قبل السلام ولا إعادة عليه.

                                                                                                                                                                              ومن حجة هذا القائل حديث ابن مسعود ، وعمران بن حصين، وأبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم سجد بعدما سلم.

                                                                                                                                                                              1697 - حدثنا إسماعيل، قال: ثنا أبو بكر، قال: نا أبو خالد الأحمر ، عن هشام، [عن] ابن سيرين ، عن أبي هريرة : أن النبي صلى الله عليه وسلم سجدهما بعدما سلم وتكلم.

                                                                                                                                                                              وقالت فرقة ثالثة: كل سهو كان نقصانا من الصلاة فإن سجوده قبل السلام، وكل سهو هو زيادة في الصلاة فإن سجوده بعد السلام، هذا قول مالك بن أنس ، وبه قال أبو ثور، قال مالك: وتفسير ذلك من السهو - يعني في الزيادة - أن ينسى الرجل فلا يدري كم صلى فيبني على يقينه، أو يسهو فيزيد على صلاته بعد أن يتمها ونحو ذلك، ويجلس موضع القيام، وتفسير النقصان من السهو أن يقوم الرجل في موضع [ ص: 505 ] الجلوس نحو ما جاء من حديث ابن بحينة، فإنه يسجد فيه قبل السلام، وهذا قول أصحاب مالك: محمد بن مسلمة، وعبد الملك، وأبي مصعب ، وغيرهم، وبه قال إسحاق. ومن حجة قائل هذا القول فيما كان من الزيادة: حديث ابن سيرين عن أبي هريرة في قصة ذي اليدين، وحجته فيما يجب في الصلاة من سجود في النقصان قبل التسليم: حديث الزهري ، عن الأعرج ، عن ابن بحينة.

                                                                                                                                                                              وقالت فرقة رابعة: سجود السهو على ما جاءت به الأخبار إذا نهض من ثنتين سجدهما قبل التسليم ولا تشهد فيهما على حديث ابن بحينة، وإذا شك فرجع إلى اليقين سجدهما قبل التسليم على حديث أبي سعيد الخدري ، وإذا سلم من ثنتين أو من ثلاث سجدهما بعد التسليم على حديث أبي هريرة ، وعمران بن حصين، وإذا شك فكان ممن يرجع إلى التحري سجدهما بعد التسليم على حديث ابن مسعود . وكل سهو يدخل عليه يسجدهما قبل التسليم، سوى ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم مما ذكرناه، هذا قول أحمد بن حنبل ، وهكذا مذهب أبي أيوب سليمان بن داود، وزهير [أبي] خيثمة.

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر: أما خبر أبي سعيد الخدري ، وابن مسعود ، وابن بحينة، وأبي هريرة فقد ذكرنا أسانيدها في هذه الأبواب. وأما حديث عمران بن حصين ، وعبد الرحمن بن عوف:

                                                                                                                                                                              1698 - فأخبرنا بأحدهما: الربيع بن سليمان، قال: أنا الشافعي ، قال: [ ص: 506 ] نا عبد الوهاب، عن خالد الحذاء ، عن أبي قلابة ، عن أبي المهلب، عن عمران بن حصين قال: سلم رسول الله صلى الله عليه وسلم في ثلاث ركعات من العصر ثم قام فدخل الحجرة، فقام الخرباق رجل بسيط اليدين فنادى يا رسول الله، أقصرت الصلاة؟ فخرج مغضبا يجر رداءه، [فسأل] فأخبر فصلى تلك الركعة التي كان ترك ثم سلم ثم سجد سجدتين ثم سلم.

                                                                                                                                                                              1699 - وحدثنا بالخبر الثاني: عبد الله بن أحمد ، قال: نا يعقوب بن محمد الزهري ، قال: نا إبراهيم بن سعد، قال: نا محمد بن إسحاق ، عن مكحول ، عن كريب، عن ابن عباس ، قال: سمعت عبد الرحمن بن عوف يحدث عمر، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إذا صلى أحدكم فلم يدر كم صلى واحدة أو اثنتين فليجعلها واحدة، وليضف إليها أخرى، وإن لم يدر ثلاثا صلى أو أربعا فليجعلها ثلاثا وليضف إليها أخرى، فإذا أراد أن يسلم فليسجد سجدتين وليجعل السهو في الزيادة". [ ص: 507 ]

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر: وأصح هذه المذاهب أحمد بن حنبل ؛ [لأنه] قال بالأخبار كلها في مواضعها، وقد كان اللازم لمن مذهبه استعمال الأخبار كلها إذا وجد إلى استعمالها سبيلا أن يقول بمثل ما قال أحمد ، وذلك كقول من قال: إن خبر أبي أيوب في النهي عن استقبال القبلة واستدبارها في الصحاري، والقول بإباحة ذلك في المنازل استدلالا بخبر ابن عمر ، وأمضى الأخبار التي رويت في صلاة الخوف على (وجهها) ، والقول بها في مواضعها، وغير ذلك مما يطول الكتاب بذكره.

                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية