الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                              ذكر الأخبار الدالة على أن للقاضي أن يصلح بين الخصمين

                                                                                                                                                                              قال الله - جل ثناؤه - : ( لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس ) . [ ص: 549 ]

                                                                                                                                                                              6507 - حدثنا إسحاق ، عن عبد الرزاق ، عن معمر ، عن الزهري ، عن عروة بن الزبير ، عن عائشة : أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث أبا جهم بن حذيفة مصدقا، فلاحه رجل في صدقته، فضربه أبو جهم فشجه، فأتوا النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: القود يا رسول الله. قال النبي صلى الله عليه وسلم: "لكم كذا وكذا". فلم يرضوا، فقال: "لكم كذا كذا". فلم يرضوا، فقال: "لكم كذا وكذا". فرضوا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "إني خاطب على الناس ومخبرهم برضاكم". قالوا: نعم. فخطب النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "إن هؤلاء الليثيين أتوني يريدون القود، فعرضت عليهم كذا وكذا فرضوا، أرضيتم؟" قالوا: لا فهم المهاجرون بهم، فأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم أن يكفوا فكفوا، ثم دعاهم فزادهم فقال: "أرضيتم؟" قالوا: نعم. قال: "إني خاطب على الناس ومخبرهم برضاكم"، فخطب النبي صلى الله عليه وسلم وقال: "أرضيتم؟" قالوا: نعم .

                                                                                                                                                                              6508 - وحدثنا علي بن عبد العزيز ، قال: حدثنا حجاج بن منهال ، قال: حدثنا حماد ، قال: حدثنا محمد بن إسحاق ، فحدثني محمد بن جعفر ، قال: سمعت زياد بن ضميرة الضمري يحدث عروة بن الزبير ، عن أبيه وجده وقد شهد مع النبي صلى الله عليه وسلم حنينا ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى الظهر فقام إلى ظل شجرة فجلس في ظلها، فقام إليه عيينة بن بدر والأقرع بن حابس، فطلب عيينة بدم عامر بن الأضبط - وهو سيد قيس - ، والأقرع بن حابس يرد عن محلم بن جثامة - وهو سيد خندف - فقال النبي صلى الله عليه وسلم لقوم عامر بن الأضبط: "هل لكم أن [ ص: 550 ] تأخذوا منا الآن خمسين بعيرا [و] خمسين إذا رجعنا إلى المدينة ..." وذكر الحديث .

                                                                                                                                                                              6509 - وحدثنا عبد الله بن أحمد ، قال: حدثنا المقرئ، قال: حدثنا المسعودي ، عن أبي حازم ، عن سهل بن سعد قال: انطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى شيء كان بين ناس من الأنصار ليصلح بينهم .

                                                                                                                                                                              6510 - حدثنا أحمد بن هارون، قال: حدثنا إبراهيم بن المنذر ، قال: حدثنا سفيان بن حمزة، عن كثير بن زيد ، عن الوليد بن رباح، عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "الصلح جائز بين المسلمين، والمسلمون على شروطهم ما وافق منها" .

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر : وقد ذكرنا فيما مضى أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر الرجلين اللذين تداعيا في مواريث وأشياء قد درست وقال: "اذهبا فتوخيا واستهما ثم ليتحلل كل واحد منكما صاحبه". وقد روينا عن جماعة من القضاة أنهم أصلحوا بين الخصوم، أو أمروا بالصلح بينهم. كان عبد الله بن [ ص: 551 ] عتبة يقول للخصوم: اصطلحوا، وهو قاض. وقد روينا عن شريح (أنه أمر بشيء، فالصلح بين نفسين مندوب إليه) . وروي عن عبد الله بن حسن أنه أمر بالصلح بين خصمين .

                                                                                                                                                                              وقال الشافعي : وإذا كان الأمر بينا عند القاضي فيما يختصم فيه الخصمان، فأحب أن يأمرهما بالصلح، ويتحللهما من أن يؤخر الحكم بينهما يوما أو يومين، فإن لم يجتمعا على تحليله لم يكن له ترديدهما، وأنفذ الحكم بينهما متى بان له، والحكم قبل البيان ظلم، والحبس بالحكم بعد البيان ظلم .

                                                                                                                                                                              وكان أبو عبيد يقول: إن الحاكم يسعه الصلح إذا كان كالذي في حديث أم سلمة ، فأما إذا استنارت الحجة [لأحد] الخصمين على الآخر، وتبين للحاكم موضع الظالم منهما من المظلوم، فليس بواسع له أن يحملهما على الصلح .

                                                                                                                                                                              وكان عطاء بن أبي رباح يقول: لا يحل للإمام إذا تبين له القضاء أن يصلح بين من تبين له القضاء فيما بينهم .

                                                                                                                                                                              وقال أصحاب الرأي: وإن طمع القاضي أن يصطلح الخصمان فلا بأس أن يردهما، ولا ينفذ الحكم بينهما لعلهما أن يصطلحا، ولا ينبغي للقاضي أن يردهم أكثر من مرة ومرتين إن طمع في الصلح فيما بينهم، وإن لم يطمع في ذلك أنفذ القضاء فيما بينهم . [ ص: 552 ]

                                                                                                                                                                              6511 - حدثنا محمد بن عبد الوهاب ، قال: أخبرنا جعفر بن عون ، قال: أخبرنا مسعر ، عن محارب، قال: قال عمر : ردوا الخصوم حتى يصطلحوا، فإن فصل القضاء يحدث بين القوم الضغائن .

                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية