الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
818 - أخبرنا أبو أحمد الحسين بن جعفر الزيات ، بمصر ، ثنا إسماعيل بن الحسين الخفاف ، ثنا زهير بن عباد الرواسي ، ثنا حفص بن ميسرة ، عن زيد بن أسلم ، عن عطاء ، عن أبي سعيد ، (ح) وأنبأ علي بن محمد بن نصر ، " واللفظ له " ، ثنا محمد بن محمد بن النضر بن سلمة ، وعلي بن إبراهيم النسوي ، وتميم بن محمد الطوسي ، قالوا : ثنا سويد بن سعيد ، ثنا حفص بن ميسرة الصنعاني ، عن زيد بن أسلم ، عن عطاء بن يسار ، عن أبي سعيد الخدري : أن ناسا في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا : يا رسول الله هل نرى ربنا يوم القيامة ؟ ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " هل تضارون في رؤية الشمس في الظهيرة صحوا ليس فيها سحاب ؟ ، وهل تضارون في رؤية القمر ليلة البدر صحوا [ ص: 803 ] ليس فيها سحاب ؟ " ، قالوا : لا يا رسول الله ، قال : " ما تضارون في رؤية الله عز وجل يوم القيامة كما لا تضارون في رؤية أحدهما . إذا كان يوم القيامة أذن مؤذن : لتتبع كل أمة ما كانت تعبد ، فلا يبقى أحد يعبد غير الله من الأنصاب ، والأصنام إلا يتساقطون في النار ، حتى لم يبق إلا من كان يعبد الله من بر أو فاجر وغبر من أهل الكتاب فيهم اليهود ، فيقال لهم : ماذا كنتم تعبدون ؟ ، قالوا : كنا نعبد عزيرا ابن الله ، فيقال : كذبتم ، ما اتخذ الله من صاحبة ولا ولد ، ماذا تريدون ؟ ، قالوا : عطشنا يا ربنا فاسقنا ، فيشار إليهم : ألا تردون ؟ ، فيحشرون إلى النار كأنها سراب يحطم بعضها بعضا ، فيتساقطون في النار ، ثم يدعى النصارى فيقال لهم : ماذا كنتم تعبدون ؟ ، قالوا : نعبد المسيح ابن الله ، فيقال : كذبتم ، ما اتخذ الله من صاحبة ولا ولد ، ماذا تريدون ؟ ، فيقولون : عطشنا يا ربنا فاسقنا ، فيشار إليهم : ألا تردون ؟ ، فيحشرون إلى جهنم كأنها سراب يحطم بعضها بعضا ، فيتساقطون في النار ، حتى إذا لم يبق إلا من كان يعبد الله عز وجل من بر وفاجر أتاهم رب العالمين في أدنى صورة من التي رأوه فيها ، وقال : ما تنتظرون ؟ ، اتبع كل أمة ما كانت تعبد ، قالوا : يا ربنا فارقنا الناس في الدنيا أفقر ما كنا إليهم ، ولم نصاحبهم ، فيقول : أنا ربكم ، فيقولون : نعوذ بالله منك ، لا نشرك بالله شيئا ، مرتين أو ثلاثا ، حتى إن أحدهم ليكاد ينقلب ، فيقول : هل بينكم وبينه آية تعرفونها ؟ ، فيقولون : نعم ، فيكشف الله عن ساق فلا يبقى أحد ممن كان يسجد لله من تلقاء نفسه إلا أذن الله له بالسجود ، ولا يبقى من كان يسجد اتقاء ، ورياء إلا جعل الله ظهره طبقة واحدة ، كلما أراد أن يسجد خر على قفاه ، ثم يرفعون رؤوسهم وقد تحول في الصورة التي رأوه فيها أول مرة ، فيقول : أنا ربكم ، فيقولون : أنت ربنا ، ثم يضرب الجسر على جهنم فتحل الشفاعة ، فيقولون : اللهم سلم سلم " ، قيل : يا رسول الله ، وما الجسر ؟ ، قال : : " دحض مزلة ، عليها خطاطيف ، وكلاليب ، وحسكة يكون بنجد لها شويكة يقال لها السعدان ، فيمر المؤمنون كطرف العين ، وكالبرق ، وكالريح ، وكالطير ، وكأجاود الخيل ، والركاب ، فناج مسلم ، ومخدوش مرسل ، ومكدوس في نار جهنم ، حتى إذا خلص المؤمنون من النار ، فوالذي نفسي بيده ، ما فيكم من أحد بأشد مناشدة لله في استقصاء الحق لله من المؤمنين يوم [ ص: 804 ] القيامة لإخوانهم الذين في النار ، قالوا : كانوا يصومون معنا ، ويحجون ، ويصلون ، فيقال لهم : أخرجوا من عرفتم صورهم ، فتحرم صورهم على النار ، فيخرجون خلقا كثيرا قد أخذت النار إلى نصف ساقيه وإلى ركبته ، ثم يقولون : يا ربنا ما بقي فيها أحد ممن أمرتنا به ، فيقول : ارجعوا من وجدتم في قلبه مثقال دينار من خير فأخرجوه ، فيخرجون خلقا كثيرا ، ثم يقولون : ربنا لم نذر فيها أحدا ممن أمرتنا به ، ثم يقول : ارجعوا فمن وجدتم في قلبه نصف دينار من خير فأخرجوه ، فيخرجون خلقا كثيرا ، فيقولون : ربنا لم نذر فيها أحدا ممن أمرتنا به ، فيقول : ارجعوا فمن وجدتم في قلبه مثقال ذرة من خير فأخرجوه ، فيخرجون خلقا كثيرا ، فيقولون : ربنا لم نذر فيها أحدا " . وكان أبو سعيد الخدري يقول : إن لم تصدقوني بهذا الحديث فاقرؤوا إن شئتم : ( إن الله لا يظلم مثقال ذرة وإن تك حسنة يضاعفها ويؤت من لدنه أجرا عظيما ) . " فيقول الله : شفعت الملائكة ، وشفع النبيون ، وشفع المؤمنون ولم يبق إلا أرحم الراحمين ، فيقبض قبضة من النار ، فيخرج منها قوما لم يعملوا خيرا قط ، قد صاروا حمما ، فيلقيهم فيها في أفواه الجنة على نهر يقال له نهر الحياة فيخرجون كما تخرج الحبة في حميل السيل ، ألا ترونها يكون مما يلي الحجر أو الشجر فيكون منها إلى الشمس أصيفر وأخيضر ، وما يكون إلى الظل أخيضر " ، قالوا : يا رسول الله كأنك كنت ترعى بالبادية ، قال : " فيخرجون كاللؤلؤ في رقابهم الخواتيم ، يعرفهم أهل الجنة هؤلاء عتقاء الله الذي أدخلهم الجنة بغير عمل عملوه ولا خير قدموه ، ثم يقول : ادخلوا الجنة فما رأيتموه فهو لكم ، فيقولون : ربنا أعطيتنا ما لم تعط أحدا ، فيقول : لكم عندي أفضل من هذا ، قال : فيقولون : أي رب أي شيء أفضل من هذا ؟ ، فيقول : رضاي ، فلا أسخط عليكم أبدا ا ه . رواه معمر ، وعبد الرحمن ، وابن إسحاق ، ذكرناه في غير هذا الموضع " . ا هـ . [ ص: 805 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية